مقالات

فلسطين.. محور الصراع

بقلم الشيخ محمد الناوي

﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾ (الأحزاب: 22)

لا يزال الاستفراد والتنكيل سيدَ الموقف في غزة الأبيّة، والعالم كله متواطئٌ لا يبذل أي جهدٍ لإيقاف هذه الاستباحة المقيتة لكرامة الإنسان. هذا العالمُ الذي لطالما تشدّق بحقوق الإنسان، إذا به يسقط في الاختبار، حين ساند المعتدي المغتصب للحق في وضح النهار، وخذل الضحيةَ صاحبةَ الحق الذي لا ريب فيه.

وفي المشهد الميداني، لا تزال المقاومة في غزة تؤلم العدو وتؤرق جنوده التائهين بين أنقاض الدمار، بين قنصٍ وتفجير، حتى يحقّق الله وعده في نصرة تلك القلّة الصابرة، وليُقيم الحجة على كل متخاذل.

وبعد تلقّي العدو ضرباتٍ موجعة في اعتداءاته الأخيرة على بلد مسلم، قد يلجأ إلى تصعيد عملياته في غزة وجغرافيات أخرى ليحفظ ماء وجهه، ويحافظ على بقاء حكومته المتطرّفة، التي لو استطاعت أن تمنع الهواء عن القطاع لفعلت.

وعليه، فأحرار الأمة يجب أن يواصلوا جهودهم بوتيرةٍ أقوى لفكّ الحصار ووقف العدوان، فغزة لم تَعُد على قيد الحياة بعد أن حوصرت وجُوِّعت وخُذلت. وغزة لن تقبل الحياة على مقاس الطغاة، بل آثرت أن تعيش على قيد الأمل الذي ينفخ فيها الروحَ نحو الحياة الكريمة. ذلك الأمل الذي تجسّده الكلمة التي تدافع عنهم، والصوت الذي يصرخ دون ملل لأجلهم، وتحركات الشعوب في الميادين وباتجاه غزة، لتثبت أن الإنسانية والحق منتصران لا محالة، مهما اشتدّ الطغيان.

نشعر بالأسف ونحن نسمع ونرى مَن يثير التشكيك في جهود المخلصين من أبناء الأمة في حربهم ضد العدو المشترك، بل وفي دعمهم لأهلنا المجاهدين في غزة. ويكون أسفنا أشد حين يصدر هذا التشكيك من أطرافٍ كنا نأمل أن تقود الميدان في هذه الأيام باتجاه رصّ الصفوف وتجاوز الاختلافات، لأجل إعزاز الأمة وهي تمرّ بلحظات مصيرية تهدّد وجودها.

إنّ الأمة الإسلامية تمتلك من وسائل القوة ما يجعلها قادرة على وقف العدوان وإغاثة أهلنا في غزة، ومرابطتها في الميادين لأيامٍ قليلة فقط كافيةٌ لتحقيق ذلك. وعلى الأمة أن تعي أنّ الرهان على قوى الظلام في العالم لإيقاف الحرب في غزة هو رهانٌ خاسر، وأنّ العدو حين يعلن بين الحين والآخر نيّته في تسوية ما، فذلك ليس إلا ذَرًّا للرماد في العيون وكسبًا للوقت، ليواصل التنكيل بالأبرياء المظلومين.

واحدٌ وعشرون شهرًا من القتل والدمار، مدةٌ أكثر من كافية لنغسل أيدينا من استعطاف منظماتٍ دولية، وأكثر من كافية لإقامة الحجة على كل متخاذلٍ فينا، وأكثر من كافية على معاناةٍ قاسية لا يتحمّلها إلا أولو العزم من الشعوب. ولم يشهد التاريخ القديم ولا الحديث صبرًا أشدّ من صبر أهل غزة. ولكن إلى متى والأمة تجترّ الهزائم وتبقى محايدةً عن ميدان الفعل والتغيير نحو عزّتها؟

ألم تدرك الأمة بعدُ أن تضميد جراحات غزة هو منطلق وحدتها واستعادة مكانتها ودورها الفاعل؟ وأنّ استمرار نزفها يعني تشتّت الأمة وضياعها؟

إنّ ما نشهده على أرض غزة فيه من الدروس ما يشدّ من عزائمنا، فلا يوجد ابتلاءٌ يُلازمه صبرٌ واحتساب، إلا ويتبعه نصرٌ من ربّ العالمين. فلنجعل من كلّ ذلك يقينًا يُلازم كلّ حركتنا في الحياة، لا سيما ونحن نعيش هذه الأيام ذكرى الهجرة النبوية المباركة، وما فيها من دروسٍ عظيمة.

ففي ذكرى الهجرة، على الأمة أن تقرأ هذا الحدثَ المفصليّ من عمر الرسالة قراءةً تكسبها دفعًا معنويًا قويًا، يجعلها تُمسك بقوةٍ ببرهان انتصارها على الطغيان، تمامًا كما فعل المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته الكرام. هجرةٌ من المعاناة إلى الانعتاق، ومن الضيق إلى الفرج، ومن التهجير إلى التمكين.

لقد بلغ العدوّ بإجرامه نقطةَ اللاعودة، بعد أن تجاوز كلّ الحدود، وكسر كلّ الأعراف والقوانين. وهو بذلك يكتب آخر سطور روايته المزيفة. وعلى شعوبنا المسلمة والحرة أن تتوحّد وتعمل لأجل غلق هذه الصفحة السوداء من تاريخ البشرية، فالحياة الكريمة للإنسانية لا تجتمع مع صنّاع الموت والعنصرية. ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ﴾ (الأنفال: 10)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى