سيُهزَم الجَمْعُ

لا أكثر طغياناً وتجبراً من خطابات الرئيس الأمريكي وتابعه المجرم رئيس وزراء الكيان الغاصب، وقد غلبهم السُّكْرُ والنشوة بما يعتبرونه نصراً على من وقف إلى جانب فلسطين وساندها، وهاهم يحتفلون بقُرب تحقق أحلامهم في إخضاع دول جديدة للاتفاقات المسمّاة إبراهيمية، ويهدي بعضهم إلى الآخر ترشيحاً لمنحه جائزة نوبل للسّلام.
أمّا ما يسعَون لفعله في غزة فما أكثر الأخبار عنه، وآخرها عن مخطط لاحتجاز حوالي 600 ألف من سكان غزة قسراً في معسكر اعتقال مغلق فوق أنقاض رفح، مع العلم أنّ منظمات حقوق الإنسان تقول: إنَّه لم يتبقّ للفلسطينيين في غزة سوى أقل من 15٪ من مساحتها الكلية، بحيث تعادل حصة الفرد الواحد من المساحة المتوفرة أقلّ من حصة سجين في معتقل غوانتنامو !
كلُّ هذا ولا تزال معظم الدول العربية والإسلامية تنتظر، ولا أدري ماذا يتوقعون؛ وبينما تسارع دول أخرى منها إلى تمهيد الطرق أمام أحلام نتنياهو وطموحات ترامب النرجسية، وكأنها تظنّ أنَّ الأيام ثابتة لن تتغير، وأنّ الباطل قد استعلى في الأرض إلى غير نهاية؛ فإنَّ الكيان الغاصب يتابع القتل والتدمير بشكل استعراضي، وكأنه والولايات المتحدة يريدون أنّ يجعلوا فلسطين عبرةً لكل من يفكّر في مواجهة الطغيان.
وفي الوقت الذي يلعب فيه هؤلاء لعبتهم الشيطانية، يزداد العالم الإسلامي غرقاً في وحل الشقاق، بعناوين سياسية وقومية ودينية ومذهبية، وينفخ بعضُه أمام بعضه في رماد العصبيات التي لا تؤدي إلا إلى قتلهم وراحة عدوهم الذي يكيدُ لهم ولا يتورّع عن دمائهم ولا أعراضهم، غافلين عن واجبهم المحتوم في إصلاح ذات البَين والوحدة والتعاون؛ بل ويسارع أشخاص منهم، يتسمَّوْن باسم الدعاة ويدّعون صفة العلماء، إلى زيارة الكيان الصهيوني، ويعقدون مع رئيسه المجرم ابن المجرم لقاء سلام، مغدقين على كيانه الغاصب أحسن الأوصاف؛ فيَالَه من عارٍ ما بعده عار.
لكن كل ذلك وأكثر منه لن يضرّ المؤمنين بإذن الله، وسيزيدهم يقيناً ببطلان الباطل وصدق الحقّ، مهما تكالب المجرمون وتخاذل المطبّعون، ولهم في رسول الله وأصحابه أسوة حسنة: ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾.
ومن إيماننا بالله وتسليمنا لما أخبر في كتابه أنّنا نؤمن بأن المؤمنين مكلّفون بالصبر والتقوى، ولن يضرّهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله، وأنَّ الباطل إلى زوال مهما علا في الأرض بغير الحق، أو أوتيَ من القدرات والأسلحة والأموال، وصدق الله تعالى:
﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ ۞ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.
﴿فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِهِمْ قُلْ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ ۞ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَٰلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وآله، فعنْ أبي عبدِاللَّهِ خَبَّابِ بْن الأَرتّ قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رسولِ اللهِ وَهُو مُتَوسِّدٌ بُردةً لَهُ في ظلِّ الْكَعْبةِ، فَقُلْنَا: أَلا تَسْتَنْصرُ لَنَا أَلا تَدْعُو لَنَا ؟ فَقَالَ: (قَد كَانَ مَنْ قَبْلكُمْ يؤْخَذُ الرَّجُلُ فيُحْفَرُ لَهُ في الأَرْضِ فيجْعلُ فِيهَا، ثمَّ يُؤْتِى بالْمِنْشارِ فَيُوضَعُ علَى رَأْسِهِ فيُجعلُ نصْفَيْن، ويُمْشطُ بِأَمْشاطِ الْحديدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعظْمِهِ، مَا يَصُدُّهُ ذلكَ عَنْ دِينِهِ، والله ليُتِمنَّ اللهُ هَذا الأَمْر حتَّى يسِير الرَّاكِبُ مِنْ صنْعاءَ إِلَى حَضْرمْوتَ لاَ يخافُ إِلاَّ اللهَ والذِّئْبَ عَلَى غنَمِهِ، ولكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ).
وإنَّ الفتح لآتٍ لأهل فلسطين الصابرين المحتسبين، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.
أمين سر الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين