مقالات

خيارُنا الوحيد

كلُّ من يُتابع ردود الأفعال والمواقف الدولية والعربية، وحتى الإسلامية منها في العموم، يُدرك أمرًا لا مرية فيه: أن الكيانَ الصهيوني، ومن وراءه الموقفُ الأمريكيُّ الداعم حتى العظم، وكذلك معظم الغرب وبعضُ العرب، لا تعنيهم كلُّ التصريحات والمواقف التي تظهر هنا وهناك، والتي تُعبّر عن الرفض لما يحصل في فلسطين والمنطقة؛ كونَ هذه التصريحات والمواقف تصدر عن مؤسسات مجتمعٍ مدني، أو شخصياتٍ فردية، أو تجمعاتٍ دينية، وكلُّ هؤلاء لا يملكون أوراقَ ضغطٍ دولية، أو قطرية، أو حتى محلية، تُؤثّر عند أصحاب القرار، بل ربما لا يملكون فرضَ قرارهم داخل بلادهم أصلًا!

ومما يزيد الأمرَ سوءًا، تلك الحركة المحمومة من بعض الدول العربية والإسلامية الهادفة للتطبيع مع هذا الكيان الصهيوني، ليحصلوا على “جواز مرور” يُرضي البيت الأبيض، تحت ذرائع شتى: منها أننا نريد بناء البلاد، ومنها أن هذا القطار هو قطار النجاة الأكثر أمنًا، ومنها أنه يجب أن نتحلّى بمنطقية سياسية أكثر وعيًا. بل ذهب بعضهم إلى القول: “نحن لا نملك قوةً تُوازي قوة عدونا، ولا نملك تحالفات دولية كما يملك عدونا، وليس أمامنا إلا الدخول في عملية السلام، كونها طوق النجاة الأقل تكلفة، والأسرع لبناء البلاد اقتصاديًا وحضاريًا.”

من هنا، يمكننا أن نستلهم خيارنا الوحيد، وخيارنا الأمثل، رغم كلِّ الصعوبات التي لا يمكننا نسيانها أو تجاهلها. ذلك الخيار الذي يدفع كل المخلصين، والشرفاء، والأحرار، لتشكيلِ تجمّعٍ تكون مهمته العظمى التصدّي للفكرة الصهيونية بكل صورها، تجمعٌ يلتقي تحت ظله هؤلاء الأحرار، ويكون هدفه مواجهة الفكر الصهيوني على كل الأصعدة، لأنه هو ما يُحدّد مستقبلنا، ومستقبل أولادنا وبلادنا؛ فالمشروع الصهيوني لن يسمح – طالما هو قائم – بأي خطوة نحو التقدّم والبناء والرفاه. وإن لم تسعَ هذه القوى الحرة إلى تبني هذا الخيار الوحيد، فلن يكون لها أي وجودٍ حرّ في المستقبل.

كلما عرفنا مكامنَ قوتنا، كلما عرفنا كيف نُدير حركة صراعنا، وطوفان الأقصى دليلٌ قويّ يُلهمنا بأن المواجهة مع الكيان ممكنةٌ جدًّا، ونتائجها كبيرةٌ جدًّا. علينا أن نُحدّد من هو الصديق بدقّة، ومن هو العدو بدقّة.

وإلا، فما يحدث لغزة اليوم، سيحصل لكلِّ العالم العربي، ولكلّ العالم الإسلامي، بل حتى للإنسانية جمعاء. ولن تنعم الإنسانية بالحرية والكرامة، طالما أن المشروع الصهيوني يتمدد ويتحرك لكسر إرادة الشعوب واستعبادها، تحت شعاراتٍ براقةٍ من الحرية والديمقراطية والرفاه الاقتصادي. فهل يُدرك المسلمون والأحرار هذه المعادلة؟

وهل يعلمون أن ثمن الكرامة والحرية أقل بكثيرٍ من ثمن الذل والتبعية؟

منسق الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى