مقالات

فلسطين لا تنسى

فلسطين لا تُنْسَى… وكيف تُنسى ووراءها شعب وأمة ورسالة عالمية.

فلسطين لا تُنْسَى لأنَّ شعبها حيّ وحرٌّ في وعيه وإرادته، وأي شعب أكثر حرية وحياة من هؤلاء الذين تُصبُّ عليهم ألوان الموت صبّاً فلا يستكينون ولا ينهزمون، بل يضحون وقلوبهم إلى الله سبحانه يسألونه الثبات والصبر والنصر.

فلسطين لا تُنْسَى لأنَّ وراءها أمّة تأبى الاعتراف أو التخلّي، مهما شوغلت بصنوف المآسي والظلم والمشكلات.

فلسطين لا تُنْسَى لأنَّ الإنسانية لا يزال فيها طائفة عظيمة تؤمن بالحقّ والعدالة.

وفلسطين لا تَنْسَى… فذاكرتها نابضة ودقيقة، تحتفظ لكل إنسان بما فعل، والمؤرخون وإن مالوا أو أعرضوا فلن يستطيعوا محو ذاكرة الناس، وهذه الذاكرة هي التي تربّي وتنتقل من أفواه الأمهات وأحاديث الآباء لتشكّل وعياً يميز به الفلسطيني العدو من الصديق، ويكافئ به كل واحد منهما بما يستحقه.

فلسطين لا تنسَى أعداءها، ولا أولئك الذين وقفوا إلى جانب الصهيونية وساندوها في عدوانها ضد الشعب الفلسطيني، وأمدّوها بالقوة اللازمة لاغتصاب الأرض وتهجير الناس واغتيال الشباب وتهديم البيوت والمستشفيات وحرمان الناس من أسباب الحياة.

وهؤلاء الذين يساندون الكيان الغاصب اليوم في عدوانه وحربه التي يشنّها على غزة، وهم يعرفون تماماً أنها حرب إبادة واستئصال للشعب الفلسطيني، ومع ذلك فهم يمدّون الكيان الغاصب بكل أنواع الأسلحة المدمرة، ويوفرون له الغطاء السياسي والإعلامي ليتابع جريمته الكبرى، ويتدخلون في كل محفل دولي لمنع أي محاولة لإدانة المجرمين الصهاينة، أو محاكمتهم على الجرائم التي يرتكبونها، وما الإعلان الذي قدمه المدعي العامّ لمحكمة الجنايات الدولية إلا محاولة للالتفاف على العدالة الحقَّة، والتحايل على القانون، وذلك من خلال توجيه أقل الاتهامات إلى مجرمي الكيان الغاصب أولاً، وثانياً من خلال إدراج أسماء قادة المقاومة الفلسطينية في طلب توجيه مذكرات اعتقال، وكأن المقاومة والكيان الغاصب متكافئان في الممارسات وفي الشرعية والأهداف.

وفلسطين لا تنسَى رجالها وشهداءَها الذين ارتقوا دفاعاً عن شرف هذه الأمة واستقلال بلادهم منذ معارك غزة الثلاثة أمام جيوش الحلفاء عام 1917، مروراً بثورة النبي موسى 1920 وثورة البراق والثورة الفلسطينية الكبرى وما تلاها من ثورات وانتفاضات، وصولاً إلى ملحمة طوفان الأقصى، وأكثر من 35 ألف شهيد وآلاف المفقودين حتى اليوم.

وفلسطين لا تنسَى أصدقاءها، وتسجّل أسماءهم في أهازيجها وأغاني أمهاتها وقصائد شعرائها، وبين يديَّ الآن ديوان لشاعر الثورة الفلسطينية الفنان الشعبي الفلسطيني نوح إبراهيم الذي استشهد عام 1938؛ وفيه عدة مقطوعات اشتهرت كأغانٍ شعبية لمدة طويلة، يشيد فيها نوح إبراهيم بالعديد من الأسماء لأشخاص ودول وقفوا إلى جانب الفلسطينيين في كفاحهم ضد الانتداب البريطاني، ولا زال الفلسطينيون حتى اليوم يحفظون أشعار هذا الشهيد ويرددونها.

ومما لا شك فيه أنّ فلسطين قد خسرت اليوم بعضاً من أكثر أصدقائها إخلاصاً لها، وهما الرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، اللذان عرفتهما المحافل الدولية مدافعين قويين عن حقوق الشعب الفلسطيني، ومؤمنين بمبدأ تحرير كامل التراب الفلسطيني، وبأن فلسطين أمانة كبرى في عنق الأمة الإسلامية، وقضية مركزية ينبغي أن يجتمع كل المسلمين على العمل من أجلها والتعاون في سبيل نصرة شعبها، وأنَّ على أبناء الأمة أن يجعلوا من فلسطين عامل وحدة ولقاء يتجاوز الاختلاف في أي قضية أخرى.

غير أننا على ثقة بأنّ الله سبحانه وتعالى قد هيّأ لهذه القضية أشرف الناس وأحسنهم، فإن رحل منهم راحل بقضاء الله تعالى فسوف يخلفه من بعده آخرون، على نهج المقاومة حتى تحرير الأرض واستعادة الحقوق.

بقلم الشيخ محمد أديب ياسرجي
أمين سر الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى