مقالات

وجوب نصرة المظلومين

الأستاذ الدكتور الشيخ علاء الدين زعتري

لكل عصر مستضعفوه، وما أكثر المستضعفين في عصرنا، وما أقل الجهاد ضد المستكبرين، مع أن المقاومة عند أهل الإيمان هي قوة روحية دافعة، ونظام كامل يقدم للإنسانية فكرة شاملة عن الكون والحياة، ويجعل العنصر الأخلاقي أصيلاً في بناء المجتمع؛ لتنبعث الحياة من داخل النفس.

وإن محاربة الظلم والفساد في الأرض إنما هو سبب يجيز كل أشكال الجهاد؛ حتى القتال للقضاء على الظلم، وبخاصة عندما يكون الظلم معلنناً وعاماً؛ موجهًا إلى شعب مستضعف ومظلوم.

فمقاومة الظلم والطغيان والاستكبار والفساد في الأرض أمر تحتمه الأخوة الإنسانية، ويفرضه التضامن الفطري بين الأمم والشعوب وبني البشر، وأعلنت الشريعة وجوبه؛ إذ كل اعتداء على مستضعف يعتبر موجهًّا إلى الإنسانية جميعًا.

ويستدل على هذا التضامن الإنساني من الآية الكريمة: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة:32].

والله سبحانه وتعالى يطلب الدفاع عن الضعفاء، والقتال في سبيل حمايتهم، فقال: {‌وَمَا ‌لَكُمْ ‌لَا ‌تُقَاتِلُونَ ‌فِي ‌سَبِيلِ ‌اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً} [النساء: 75].

والمعنى: ما الذي جرى لكم؟ وأي شيء حلَّ بكم؟ وأي مصيبة وقعت عليكم، حتى صرتم في حال لَا تقاتلون فيها؛ حتى في سبيل أولئك الذين استضعفوا؛ هل لعدم وجود مَن ينصرهم، فضعفوا، وانضممتم إلى المستكبرين، وركنتم إلى الظالمين، وهانوا على المجرمين!!!

وإن لم يهونوا عند الله سبحانه وتعالى، ويجب ألا يهونوا عندكم أنتم يا أهل الحق والإيمان.

هذا حث من الله لعباده المؤمنين وتهييج لهم على القتال في سبيله، وأن ذلك قد تعين عليهم، وتوجه اللوم العظيم عليهم بتركه.

ويثير الله عزَّ وجلَّ فيهم النخوة الإنسانية، وشهامة الرجولة، وقوة الشجاعة، وضرورة الجرأة في الحق، حينما يمثل لهم واجبهم المقدس إزاء إنقاذ قوم ضعاف يسامون الذل، ويقاسون الظلم.

أليس هؤلاء الضعاف أجدر الناس بأن يَهُبَّ من لديهم نخوة؛ لإنقاذهم من أيدي ظالميهم؟

إن هؤلاء المستضعفين فقدوا النصير والمعين من بعض إخوتهم، وتقطعت بهم أسباب الرجاء من أصحاب السياسة، فاستغاثوا بربهم ولجأوا إليه، ودَعَوْه ضارعين؛ ليفرِّج كربهم، ويخرجهم من الظلم الواقع عليهم، ويهيأ لهم بعنايته مَن يتولى أمرهم وينصرهم على من ظلمهم.

ما الذي يُقْعِدُ البعض عن الجهاد، وما الذي يصرف وجوه البعض عن المقاومة، وبين أيدي المؤمنين والأحرار أسباب الجهاد والمقاومة قائمة، ودواعيه مجتمعة؟

إن القيام بواجب المقاومة، هو العلاقة التي تميز بين أقوياء الإيمان والمنافقين، فأهل الإيمان ينصرون المستضعفين، والمنافقون يقولون: {لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ}.

وما زال البغاة والطغاة يتسلطون على المستضعفين، الذين يبذلون جهدهم في دفع العدوان، ويتضرعون إلى الله أن يخلصهم من البلاء، وأن يسوق إليهم من رحمته جنداً من جنده، وعباداً من عباده، ينتصرون لهم!!

إن أهل الأرض وأصحاب الحق والذين يقاتلون في (غزة منذ شهور طويلة) إنما يقومون بواجبهم الديني، وهم يطلبون ما تقتضيه سنة العمران، واستقرار السلام، والمجرمون يقاتلون فى سبيل الشيطان؛ يطلبون الانتقام؛ ويسعون للاستعلاء في الأرض والإفساد فيها، وتطويع الناس لأغراضهم والتطبيع معهم لتحقيق رغباتهم.

في المجمل؛ يوجد في الحياة معسكران: أحدهما ينصر الله، وثانيهما ينصر الشيطان، أحدهما يدافع عن الحق، وثانيهما يدافع عن الباطل والغواية.

وإن الدفاع عن الحق هو من عمل الإنسان الكامل، أما الباطل فهو من عمل الظالمين؛ ولا يلبث أن ينهار في سرعة؛ لأنه هشّ ضعيف.

فاستبشروا أيها المقاومون، في الداخل وفي أرجاء المعمورة، واستمروا في نضالكم، فالنصر قريب بعون المولى سبحانه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى