غزة والمولد النبوي

كانت مناسبة المولد النبوي الشريف في غزة فرصةً للفرح العامّ، تنعكس على النفوس ببهجة لطيفةٍ يستوي الجميع في الإحساس بها، أطفالاً وشيوخاً، نساءً ورجالاً.
كان المولد عيداً للأطفال يحققون فيه حلم الانتساب إلى عالم الكبار، من خلال مساهماتهم في التحضير للاحتفال ونشر الزينة وتوزيع الحلوى، كما كان للكبار مناسبةً من أجل أن يستذكروا طفولتهم البريئة من خلال عادات هذا اليوم المليء بفرح الذكرى العطرة.
هكذا كان المولد في غزة، كما هو في كثير من بلدان العالم الإسلامي، رغم وطأة الحصار الخانق وما يفرضه الاحتلال من منغصات الحياة.
وحتى في هذه الأيام، التي أخذت فيها حرب الإبادة الصهيونية مساراً تصعيدياً جديداً، من خلال استهداف الأبراج والمجمعات السكنية الضخمة، بهدف إجبار الناس على النزوح مرة أخرى، وإخلاء غزة من أهلها، المتمسكين بها رغم كل أسباب الموت التي يصنعها الإرهاب الصهيوني. رغم ذلك كان للمولد حضوره الجميل، في احتفالات متناثرة، بين خرائب الأبنية التي دمّرها العدوان، لكن بقلوب عامرة بالحبّ للمصطفى الأكرم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، مليئة بالأمل وقوة التمسك بالحقوق.
في ذكرى المولد الشريف يقف العالم الإسلامي أمام امتحان كبير، بعدما وصل الإجرام الصهيوني إلى مستوى لا سابق له بين أمثاله من قوى الاحتلال والطغيان، وهو إجرام لم يعد يقتصر على فلسطين التي قدمت منذ طوفان الأقصى أكثر من 66,000 شهيد في غزة والضفة؛ بل امتد العدوان ليطال خمس دول عربية هذا الأسبوع، في سورية واليمن ولبنان وقطر، إضافة إلى تونس التي تمّ فيها استهداف سفن “أسطول الصمود” مرتين عبر طائرات مسيرة.
ويبدو واضحاً تماماَ أن هذا العدو المجرم لن يتراجع أبداً عن خطته المعلنة لإخضاع بلدان المنطقة غصباً للسيادة الصهيونية، وسلبها كل قرار مستقل، فإمّا الانصياع للأوامر أو القتل والدمار.
والعجيب أنّ أصحاب نهج الاستسلام لا يزالون متمسكين بخيارهم الذليل، فما ندري أين تكمن العلّة وبماذا نفسر هذا الانقياد الأعمى لمن يؤكد لهم في كل يوم أنه لا يبالي بهم، ويحتقرهم أمام شعوبهم صباح مساء.
وأعجب منهم من يعوّل على الدور الأمريكي من أجل السلام أو الاستقرار في بلادنا، وهو الدور الذي لم يكن يوماً إلا لحماية هذا الكيان الغاصب وفرضه بالقوة على أمتنا.
فأي مولد يحتفل به المسلمون وهم يضيّعون ما تبقى لهم من حرية وكرامة، ويُسلمون إخوانهم إلى الذبح، وقد رأوا بأعينهم أن القاتل يستعد لينتقل إليهم ويَلِغَ في دمائهم.
وأي مولد يُحيون ذكراه وقد ماتت النخوة في الضمير الجمعي لهم، وإن كانت بقاياها موجودة في ضمير بعض الأفراد.
وهل يمكنهم أن يخبرونا عن معنى الوحدة الإسلامية التي يتغنّى بها بعضنا حتى اليوم، وعن مصداق الأخوّة الإيمانية أين نجده في واقعنا ؟
لقد وصل الأمر في بعض دولنا إلى تجريم الانتصار لفلسطين ولو بالكلمة، وبلغت الوقاحة بإعلاميين وبعض من يدّعون التفكير أن يتخذوا المقاومة سُخريّاً، وأن يتهموها بالتسبب بالمآسي التي تجري على فلسطين منذ مئة عام ونيّف، وأن يجاهر بعضهم بالتعامل مع الشركات التي تدعم الكيان الغاصب، في الوقت الذي يعتصم فيه أناسٌ أحرار في أوربا وغيرها أمام الموانئ ليمنعوا تصدير البضائع إلى الكيان الغاصب !
محمدُ هل لهذا جئتَ تسعى، وهلْ لك ينتمي هملٌ مشاعُ !
أإسلامٌ وتغلبهم يهودٌ، وآسادٌ وتقهرهم ضباعُ ؟!
أيشغلُهم عن الجُلّى نزاعٌ، وهذا نَزْعُ موتٍ لا نزاعُ
سننتَ لهم سبيلَ المجد لكنْ، أضاعوا شرعك السّامي فضاعوا
أمين سر الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين