مقالات

سقوط قيم العم سام

سعى الغرب بعد الحرب العالمية الثانية إلى تلميع صورته في كل العالم، صورة القاتل والمجرم الذي يفعل كل شيء من أجل أن يكسب في ساحة المال والأرض والبشر، وكل أنواع الثروات التي تبقيه سيدًا مطلقًا مطاعًا، وصاحب رؤية إنسانية شفوقة، ونصيرًا لكل المظلومين .

وسخّر كل مايملك من سياسة وأمن واقتصاد وفن وثقافة وسينما ومسرح لخدمة هذا المشروع الضخم، والذي عوّل عليه الكثير من الآمال، فصنع كبرى الشبكات الإعلامية ليضمن صناعة رأي عام تابعًا ومواليًا، وصنع أضخم مشاريع السينما في هوليود، ليسيطر على كل العقول والأمزجة، ويدفعها في اتجاه واحد، هوأن الغرب هو المنطقة الآمنة، وهو من يملك قيم الحرية ويدافع عنها أينما كانت، وهو المُستعدّ دائماً للزجّ بنخبة عناصره في أي منطقة في العالم ليخلّص طفلًا أو امرأة أو حيوانًا من ضرر محدق به ــ وهذا ما شاهدناه سابقًا في أفلام الكاوبوي، وما نشاهده اليوم في أفلام القوة الخارقة في هوليود ــ وكذلك فعل الدبلوماسي الغربي وبدهاءٍ قل نظيره، حتى بات اتهام الغربي بأي صورة مُغايرة للنمطية الهليودية ضربًا من ضروب العبثية، أو الحقد على هذا النموذج لأنه نموذج متقدم، أو هو عداء للعم سام .

ولكن الأحداث اليوم قلبت كل تلك المفاهيم رأسًا على عقب، لأن الغرب ذاته قد خلع ذاك القناع البرّاق الذي صنعه بدهاء، وعاد إلى عنصرية الجنس والعرق ولون البشرة والعينين، عاد إلى الكاوبوي القاتل والسارق لكل ما يملك الآخر من أرضٍ ومالٍ وشرفٍ وحرّيةٍ أعطاه إياها خالقه.

لدى مقارنةٍ قريبة بين ما يحصل في فلسطين منذ أربعة وسبعين عامًا، وما حدث للعراق الذي يسيل دمًا بدل الدمع على أبنائه الذين تجاوز عددهم ما يُقارب المليون قتيل، وملايين المشردين، كل ذلك لأن العم سام كذب كذبة أراد من خلالها أن يستعمر ويستثمر ويُغّير جغرافيته، وكان على الجميع أن يصدّق هذه الكذبة ويتعامل معها، وإلا فإنه سيُصنف بأنه إرهابي ومُعادٍ للسامية، وبين ما يحدث اليوم في أوكرانيا، سوف نرى العجب العُجاب، إن عيني الأوكراني المُهاجر من أسباب الحرب زرقاوان، وبشرته بيضاء، فيجب الدفاع عنه مهما كلّف الثمن – ونحن لسنا ضد الدفاع عن إنسانية الإنسان مهما كان نوعه أو لونه أوجنسه – ولكنها ازدواجية المعايير لدى العم سام، والتي تتغيّر حيث تكمن مصالح هذا العم .

أليست القدس مدينة السلام ؟ وفيها كنيسة القيامة ؟ أوليست هي مهد السيد المسيح وأرض دعوته ؟ أليس من الواجب المفروض على العم سام والذي وضع نفسه في صدارة الدفاع عن الحريات، أن يُدافع عن قيم المسيحية المنتهكة من قِبَل الكيان الصهيوني ؟ أم أن مصالح العم سام اليوم مختلفة حول القدس وأهلها ؟! وهل قانون حقوق الإنسان ينطبق على أهل فلسطين اليوم، كما ينطبق على الشعب الأوكراني ؟

أوليس من الواجب الإنساني اليوم أن يُنصر أهل فلسطين وتُرسل الجنود والأسلحة والمال والعتاد، لتتحقق قيم العدالة والحرية التي يُنادي بها العم سام ! أم إنّ قيم العم المحترم قيم ترسمها المصالح وليس الأخلاق الإنسانية ؟ الأسئلة برسم الإجابة لكل المبهورين بحضارة العم سام .

السلام على أحرار الإنسانية والقلم.

الشيخ الدكتور عبد الله كتمتو
منسق الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى