مقالات

غزة.. ومعادلة المقـ|ومة والصمود

بقلم الشيخ محمد الناوي

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ (محمد: 7)

هل كان لزامًا أن تدفع غزة كل تلك الأثمان الباهظة ليستعيد العالم إنسانيته بعد عقود من تدمير الوعي فيه عبر زرع الرواية الصهيونية المزيفة؟ وهل بلغ العالم مرحلة النضج الكامل وبات مستعدًا لتحقيق العدالة الكاملة عبر اقتلاع هذه الغدة السرطانية لتعيش البشرية في أمنٍ وأمان؟ هل سيكفر العالم عن خذلانه لأهل الأرض والقضية العادلة ويواصل دعمه المطلق لهم حتى زوال الكيان، أم سيعود إلى سباته ويتكرر مشهد المعاناة لأجيال وأجيال؟

هل ماتت قلوب ملياري مسلم لتحل محلها قلوب الشعوب الغربية؟ وهل بات الاستبدال قاب قوسين، ولا سيما بعد فشل المؤتمنين على الرسالة المحمدية في رفع الصوت وقيادة الميادين لدفع الظلم عن إخوتهم في الدين والدم، بل وعن مقدسات الله في أرضه؟ وهل بات الأمل في الشعوب الغربية، التي لطالما اتهمناها بالميوعة، هو البديل بعد أن جعلنا من أنفسنا ملائكة ومنهم شياطين؟ وهل يتحول الخطاب بالنصرة لفلسطين إلى تلك الشعوب بعدما فشل في تحريك الأحاسيس التي ماتت في ملياري مسلم؟

هل فعلًا أن غزة قد قلبت موازين الوعي إلى غير رجعة وبات العدو وكل داعميه محشورين في زاوية الجرم والعار والمحاسبة؟ إن ما شهدناه من حضور مخزٍ حول (موائد واشنطن)، ومن خطابات عنجهية وغرور في (الكنيست) و(قمة شرم الشيخ) يثبت تورط كثيرين في سفك الدم الفلسطيني؛ من رئيسهم الذي أقرّ بمدّ العدو بالسلاح للفتك بأهلنا المظلومين في غزة، إلى كل المتعاونين والمتخاذلين، ويؤكد هول المؤامرة على المقاومة الباسلة عبر السعي إلى تجريدها من سلاحها. وكلامهم المعسول حول (السلام) ما هو إلا كذب؛ إذ كيف لهؤلاء القتلة والمتخاذلين أن يكونوا هم أنفسهم دعاة للسلام؟

إن العدوان على غزة قد أثبت أن الرهان الأول والأخير لعزة الشعوب وتحرير الأوطان يكون على مقاوميها وليس على القمم، وعلى الشعوب الصامدة وليس على النخب. فغزة بالقلة الشريفة الصابرة حركت ضمير العالم وأفشلت عدوان الإبادة والتهجير، والمقاومة فيها أثبتت للعدو، رغم تفوقه العسكري الكبير، أنه لا عودة للرَهْن إلا عبر المفاوضات وتحرير الأسرى من سجون المحتل. والشعوب الصابرة التي احتضنت مقاوميها أثبتت أنه لا هجرة عن الأرض إلا باتجاه السماء، وقد حطمت كل آمال العدو. فالشعوب التي تشربت العز من دماء مقاوميها وتضحياتهم يجب أن تكون السند والحاضنة لهم، وبهذه الثنائِيّة الصلبة يهزم المحتل وتتحرر الأوطان.

إن معركة الطوفان قد أثبتت للعالم أن الصراع مع العدو ليس صراع حدود بل هو معركة وجودية حضارية تتجاوز النتائج العسكرية في الميدان وتهدف إلى تفكيك هندسة الهيمنة الاستكبارية في العالم، وأثبتت أن المقاومة ليست فعلًا أو رد فعلٍ عابرًا في لحظة تاريخية معينة، بل هي منهج حياة يتطلب الاستمرارية والتراكُم في الإنجاز، وهذا ما يتطلب تقديم التضحيات الكبرى لتكون الخواتيم بمستوى تلك التضحيات.

قد تتوقف الحرب، ولكن الصراع مع العدو لن يتوقف. وعلى الأمة ومقاوميها إعداد العدة النفسية والمادية لجولات قادمة.

﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (الأنفال: 10)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى