حين يُولد النصر من قلب الشدّة
						يقول البعض إنّ المقاومة قد انتهت، وإنّ الاحتلال بعنجهيّته وجبروته ووحشيته قد فرض هيبته، وأعاد تأكيد “ردعه”، وأننا أمام معادلةٍ قاسية لا مكان فيها لأحلام التحرير.
لكنّ هذا الكلام لا يخرج عن كونه حالة انكسارٍ طارئة، وإنكارٍ لسنن الله الكبرى التي لم تتخلّف، والتي تشهد أن الطغاة كثيرًا ما لا يهلكون حين يضعفون، بل في ذروة جبروتهم وانتفاخهم، وأنّ النصر الحاسم غالبًا ما يُولد في ذروة الشدّة والبأساء والضراء والتمحيص.
وإننا نعيش اليوم لحظة فارقة، يتوهّم فيها العدو – ومعه أتباعه وعملاؤه – أنّه قادر على أن يفرض بعد هذه الحرب ما يشاء.
سنن الله الثابتة
أما نحن، فنؤمن بسنن الله الثابتة، تلك التي نقلها لنا التاريخ وصدّقها القرآن الكريم، إذ قصّ علينا خبر كل طاغيةٍ ظنّ أنّ قدرته لا تُواجَه، وأنّ ملكه لا يزول، فإذا به يُؤخذ على حين غِرّة، وهو في ذروة انتفاخه واستكباره: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ﴾ الأنعام: 44.
هكذا كانت نهاية فرعون، حين ظنّ أنه أدرك موسى ومن معه، وقد حاصرهم بالجند والبحر، فقال أصحاب موسى عليه السلام بمنتهى اليأس: ﴿إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾، فردّ موسى بلسان الموحد الواثق: ﴿كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾.
فإذا بالبحر ينفلق، ويُهلك الله الطاغية وجيشه الجرار، وهو في أوج إحساسه بالقدرة.
النصر يأتي حين يشتدّ الابتلاء
وكذلك جاءت سنة الله في الشدائد: ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾ يوسف: 110.
هذه ليست شعارات ولا أوهامًا… بل قوانين إلهية راسخة، شهدها التاريخ، ورآها المؤمنون في بدر، يوم ظنّ الناس أن قريشًا لا تُقهر. وشهدوها في كربلاء، حين خُيّل للظالمين أنهم طمسوا النور بقتل الحسين (ع) ومن كان معه، فإذا بهم يشعلون أعظم ثورة خُلِّدت في وجدان البشرية.
وها نحن نراها في غزة، حيث تصنع قلّةٌ من المجاهدين معادلات لم تكن في الحسبان.
النصر ليس بعيدًا
فليس تأخّر النصر دليلًا على غيابه، بل هو تمحيص وسنّة، وشرطٌ لانبلاج الفجر.
وها هي بشائر هذه السنن ماثلة أمامنا:
- في تصدّع داخليّ لم يشهده الكيان منذ نشأته.
 - وفي وعيٍ عالميّ بدأ يكسر صمته المزمن.
 - وفي أمّةٍ تنفض عن نفسها غبار التشتّت، وتستعيد البوصلة نحو قبلة الصراع.
 
النصر بحول الله وقوّته، أقرب مما يظنّ الواهنون، فلا تدعوا ضجيج الحرب يُعمي بصيرتكم عن سنن السماء، ولا تسمحوا لأصوات المهزومين أن تصرفكم عن وعد الله الصادق لعباده الصابرين، ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحج: 40]
المنسق العام للحملة العالمية للعودة إلى فلسطين
الشيخ يوسف عباس



