مقالات

عالم مخذول

في مشهد مجلس الأمن خلال التصويت على القرار الخاص بإرسال قوة دولية إلى قطاع غزة، برزت صورة فريقين، فريق منصور وفريق مخذول، وليس المخذول في الحقيقة إلا أولئك الذين تقاعسوا عن الانتصار للحقّ وأذعنوا للظالم وتخلّوا عن إغاثة المظلوم، وهم أعضاء ذلك المجلس البغيض جميعاً، وخاصة منهم الدول العربية والإسلامية الذين لم يصل موقفهم حتى إلى الحدّ الأدنى من الدفاع عن إخوانهم المظلومين في غزة.

وأمّا المنصورون فهم الذين وعدهم الله ورسوله بالنصر والتمكين: ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللهُ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15) أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِن دُونِ اللهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾.

ففلسطين وأهلها منصورون بإذن الله، مهما بلغ الأذى وبلغت التضحيات: (لا تَزالُ طائِفَةٌ مِن أُمَّتي ظاهِرِينَ علَى الحَقِّ، لا يَضُرُّهُمْ مَن خَذَلَهُمْ، حتَّى يَأْتِيَ أمْرُ اللهِ).

ومجلس الأمن مخذول، والدول الكبرى مخذولة، وأنظمة العالم العربي والإسلامي كذلك: (ما من امرئٍ مُسلمٍ يخذُلُ امرأً مسلمًا في موضعٍ تُنتَهكُ فيه حرمتُه، ويُنتقَصُ فيه من عِرضِه إلَّا خذله اللهُ في موطنٍ يُحِبُّ فيه نُصرتَه وما من امرئٍ مُسلمٍ ينصُرُ مسلمًا في موضعٍ يُنتَقصُ فيه من عِرضِه، ويُنتهَكُ فيه من حُرمتِه إلَّا نصره اللهُ في موطنٍ يُحبُّ فيه نُصرتَه).

وكيف لا يكونون مخذولين وهذا الجيش الصهيوني يتابع عربدته وعدوانه وغاراته الوحشية على لبنان وغزة، فيقتل يوم أمس حوالي 40 شهيداً، بينهم أسرة بكامل أفرادها وأحد عشر طفلاً في مخيم عين الحلوة بجنوب لبنان.

وكيف لا يكونون مخذولين وهم يتكلمون في العلن شيئاً، ثم يتابعون إمداد الصهاينة بالأسلحة والذخائر، وقد قال الإمام جعفر رضي الله عنه: (إنّ الله يُبغض من خُلُقُه المتلوّن، فلا تزولوا عن الحقّ وأهله، فإنّ من استبدّ بالباطل وأهله هلك وفاتته الدنيا).

وكيف لا يستحقون أن يمقتهم أهل الحقّ وهم يرون عشرات الآلاف من المصابين بأمراض مزمنة في غزة، والموت يغتالهم ويقتل آخرين من إخوانهم جوعاً وبرداً، ويقضي على طفولة مئات الآلاف من أبنائنا الأبرياء.

لقد بقيت الجزائر، التي صوتت لصالح قرار مجلس الأمن المخذول، أكثر من مئة وثلاثين عاماً تحت وطأة المستعمر الفرنسي، الذي لم يرضَ باحتلال الأرض فقط، بل وعمد إلى سياسات الفَرْنَسة لعزل الجزائريين عن دينهم ولغتهم وأبناء أمتهم، ولا زال حتى اليوم يخفي مواقع التجارب النووية التي أجراها في الصحراء الجزائرية.

لكن الجزائر تحررت بعد ارتقاء أكثر من مليون شهيد، ولن تزول لعنة الظلم عن فرنسا مهما حاولت نسيان تاريخها المظلم في الجزائر وغيرها من دول العالم.

وسوف يزول الاستعمار الصهيوني بلا شك ولا ريب، ولن يتزعزع إيماننا بذلك قيد أنملة، ولن نزداد إلا يقيناً بالكتاب وما جاء فيه من الحقّ: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ﴾.

وأما تلك القوة الدولية الغاشمة التي يراد لها أن تحرس حدود القطاع فلن تفلح أبداً في وأد الشعور بالحرية، والتطلع إلى الاستقلال واستعادة الحقوق، وسوف يشبّ أطفال غزة على ما شاب عليه آباؤهم من الإيمان بالحقّ والعدل، وأن الكيان غاصب وغير مشروع، وأنّ زواله آتٍ لا محالة، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.

بقلم أمين سر الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى