مقالات

لماذا القدس ؟

من لا يقرأ التاريخ لا يستطيع أبدًا قراءة الواقع بدقة، ومن ثم لا يستطيع اتخاذ الخطوة المناسبة لا في الزمن المناسب، ولا في الحدث القائم الحالي، ومن ثم لا يمتلك مقوّمات رسم استراتيجية المستقبل المتوافقة مع روايته للهوية والتاريخ.

ومن هذه القراءات المطلوبة اليوم قراءة قضية القدس، ولماذا هذا الاهتمام بها من الجانب الصهيوني ؟ ولماذا يحشد هذا الصهيوني كل هذا الكم الهائل من الروايات المكذوبة عنها لتتوافق مع روايته، وتتصادم مع روايتنا ؟ وقائمة الأسئلة تطول كلما بحثنا أكثر، وكلما حاولنا بجد استقصاء هذا الأمر لنجد الإجابة الدقيقة التي يأتي من بعدها دور الحراك المطلوب نوعًا وكمًا.

لقد اشتملت الرواية الصهيونية للحرب على القدس في عام 1948 على جملة من المزاعم منها “إنّ قيام دولة إسرائيل كان تتويجًا لحركة انبعاث قومي لشعبٍ أقام دولته المستقلة على أرض يملك معها صلات تاريخية” وإنّ ما حل بالشعب الفلسطيني نتائجٌ مرافقة لسعي اليهودي للاستقلال، وأن خروج الفلسطينيين كان عبارة عن “إخلاءٍ إختياري” !

ولقد ركّزت هذه الرواية الصهيونية على أنّ العرب “هم المبادرون للحرب عام 1948 وأنهم هم من” رفضوا قرار التقسيم  ولذا كانت الحرب محاولة يائسة من اليهود للدفاع عن أنفسهم إزاء الرفض العربي المطلق لوجودهم”.

وأن القوّات اليهودية كانت في حرب 1948 أقلّ تفوقًا في العدد والعتاد، وأنّ البريطانيين مؤيدون للعرب وهو الأمر الذي ألقى عبئًا إضافيًا على عاتق القوات اليهودية، وأنّ هذه الحرب انتهت بـ “نصر معجزة تم تحقيقه بفضل التميّز اليهودي في القدرات الأخلاقية والقتالية، والقوات المذهلة تحت راية قيادة خارقة ومقاتلين متفوقين في شجاعتهم وحكمتهم !”.

ومن يقرأ مذكرات كل من “بن غوريون وغولدامائير وموشي ديان و أبا إيبان” وكثير من القيادات العسكرية البريطانية أمثال [الفريق كلوب] والمكتوبة بإملاءات صهيونية، والتي حرصت على المحافظة على سمعة وخصائص اليهود العسكرية، حيث أثبتت أن الذي منع اليهود من الاستيلاء على كامل القدس عام 1948 كان “العامل الإنساني وحده”.

من هنا ومن هذا الحجم من الافتراءات والمزاعم تبرزالحاجة إلى إلقاء الضوء على الحرب على القدس منذُ العام 1948 مرورًا بالعام 1967 إلى الأحداث الأخيرة التي تشهدها هذه المدينة بكل مقدساتها وسكانها جغرافيًا وديمغرافيًا، ولماذا هذا التغيير الممنهج والسريع ؟

مطلوبٌ منا اليوم أن نخوض هذه الحرب وعلى كل الجبهات، على جبهة العقيدة والتاريخ والجغرافيا والتربية والأمن والعسكر، وعدم الاكتفاء بجبهة عن أختها، لأنّ حربهم علينا شاملة ولا يجوز لنا إلا أن تكون حربنا شاملة، وهناك تتصادم الروايات، وعندها ستسقط رواية الكذب والختل، وستنتصر رواية الحق المؤيدة من الله أولًا، ومن التاريخ الصحيح بعد ذلك ثانيًا.

ولعلّ انعقاد مؤتمر “روادّ القدس”، الذي تكلمنا عنه في منشوراتٍ سابقة على موقع الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين، بما حوى من نوع المشاركين، وعدد بلدانهم، وتحمل كل مشارك لنفقات سفره، وما تضمّن البيان الختامي من توصيات عملية، يكون خطوةً على طريق المقاومة الواعية لحركة التاريخ، وحِراك العدو في بيت المقدس وأكنافه.

السلام للحقيقة وأهلها

الشيخ الدكتور عبد الله كتمتو
منسق الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى