مقالات

ألا يستحق أهل غزة النصرة

الأستاذ الدكتور الشيخ علاء الدين زعتري

بعد ما يزيد عن سبعة أشهر من ارتدادات معركة طوفان الأقصى، لم يبقَ عذرٌ للعالم بأسره في ترك نصرة المستضعفين من الرجال والنساء والولدان من أبناء (غزة)؛ وإن كان ذلك الواجب الإنساني منذ اللحظة الأولى؛ إلا أن الزمن كفيل بإيقاظ الوجدان، وتنشيط الضمير.

فلا عذر لكم أيها الفلسطينيون، ولا عذر لكم أيها العرب، ولا عذر لكم أيها المسلمون، ولا عذر لكم يا أحرار في ترك الجهاد والانخراط في مقاومة الطغيان، وصَدِّ العدوان وقد بلغ حال المستضعفين ما بلغ من الضعف والأذى.

قال تعالى: {‌وَما ‌لَكُمْ ‌لا ‌تُقاتِلُونَ ‌فِي ‌سَبِيلِ ‌اللهِ} معناه: أيّ شيء لكم أيّها المؤمنون في ترك الجهاد مع اجتماع الأسباب الموجبة للتحريض عليه.

فالله تبارك وتعالى أوجب القتال؛ لاستنقاذ المستضعفين من إجرام المحتلين، وتخفيف الآلام ـ إن لم يمكن إزالتها ـ والتي تُصبُّ عليهم من الكيان الصهيوني، والعمل على إراحة المستضعفين مِمَّا هم فِيهِ من الْجهد؛ وذلك بشتى الوسائل المتاحة، وبذل الجهد اللازم؛ وهذا واجبٌ إنساني أخلاقي ديني إجماعاً.

فالعدو صاحب كيد وخداع، يسعى في الفساد بوسائله كافة، على جهة الاحتيال والمكر؛ عسكرياً وسياسياً واقتصادياً؛ ولا يُؤمَن جانبه، ولا ينبغي أن تنطلي حيله على أهل الإيمان.

وقد جاء البيان القرآني متسلسلاَ متتابعاً في ارتقاء وتصعيد عبر بيان هذه القضية المهمة (مقاومة الاستكبار) في أوقات التعامل مع العدو الظاهر، ومواجهته في ساحة المعركة.

فالله تعالى لما حرض المؤمنين على القتال بقوله: ﴿فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ ۚ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 74].

وزاد التحريض ثانياً بقوله: ﴿ وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا﴾ [النساء: 75].

وترقى فيه ثالثاً إلى قوله: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ [النساء: 76].

وربَّع بالتعيير لبعض من جبن عن القتال من المؤمنين، وبالغ في الرد عليه حتى بلغ إلى أن قال: إن الآجال مقدرةٌ والحذر لا يزيد في العمر، والاقتحام في المهالك لا ينقص منه. الآيتين 77 و78.

فالحرب في الإسلام ليست اختياراً ولا طواعية ولا رغبة في السيطرة ولا طموحاً إلى السلطان، بل الحرب والقتال والمقاومة والجهاد اضطرار من أجل تخليص المستضعفين من براثن الظلم والطغيان.

لقد بين الله تبارك وتعالى حال ضعفاء الإيمان الذين يُبْطِئُونَ عن القتال نصرة للمستضعفين، وقد يصل بهم الحال إلى الاستهزاء بالمجاهدين، وتثبيط عزائم المقاتلين، ثم دَلَّهُمْ على طريق تطهير نفوسهم من ذلك الذَّنْبِ العظيم.

واللافت للانتباه في هذه الآيات أن فِيهِا إثارة النَّخْوَةِ، وَهَزَّ الْأَرْيَحِيَّةِ الفطرية الطبيعية، وإيقاظ شعور الْأَنَفَةِ والرحمة؛ ليستشعر المؤمن بما يحل بإخوانه، وأنه لو تركهم دون دعم أو نصرة؛ فإنه سيلقى المصير ذاته في قابل الأيام.

ومع أن القتال في حدِّ ذاته أمر قبيح؛ إلا أنه يصبح ضرورة محتمة عند استصراخ إنسانية الآدمي، وهَزَّ مشاعره بآلام المستضعفين.

ورغم أن العقل السليم لا يجيز ارتكاب القبيح؛ إِلَّا إنه عند إزالة شَرٍّ أَقْبَحَ مِنْهُ يصبح ضرورة حياتية، والأمورُ بمقاصدها والوصول إلى غاياتِها.

ومن هنا نجد القرآن قد بَيَّنَ ـ فِي عدةِ مواضع ـ حكمةَ القتالِ، وكونَه للضَّرورة وإزالةِ المفسدةِ الوجودية، وإدالةِ المصلحةِ الإنسانية.

ومِن سُنَنِ اللهِ الكونية في تَعَارُضِ الحقِّ والباطلِ: أَنَّ الحقَّ يَعلُو وأن الباطلَ يَسْفُلُ.

ومن سنن الله الكونية في مُصَارَعَةِ المصالحِ والمفاسدِ: بقاءُ الأَصلحِ، ورُجْحَانُ الأمثلِ.

اللهم حقق لأهل غزة علو الحق وانتصاره، وبقاء الأصلح واستمراره.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى