من البراق حتى اليوم… ثورة مستمرة
قبل 93 عاماً من يومنا هذا، وبالتحديد في 15 آب 1929 اندلعت ثورة فلسطينية كبيرة، وهي التي عُرفت لاحقاً باسم ثورة البراق.
كان الفلسطينيون يُحيون وقتها ذكرى المولد النبوي الشريف، عندما حاولت الجماعات الصهيونية بدعم من الاحتلال البريطاني فرضَ الأمر الواقع والاستيلاء على حائط البراق، وهو جزء من الجدار الذي يحدّ الحرم القدسي من الجهة الغربية، ويمتد ما بين باب المغاربة جنوباً، والمدرسة التنكزية شمالاً، ويبلغ طوله نحو 50م.
خلافاً للمعطيات الآثارية الثابتة، يزعم الصهاينة أن هذا الجدار هو الجزء الباقي مما يسمّى “هيكل سليمان”، في مسعىً منهم لاختلاق أي أثر مادي يشير إلى حضورهم التاريخي في أرض فلسطين؛ وهو ما فشلوا في إثباته حتى يومنا هذا، باعتراف كبار علماء الآثار والتاريخ الصهاينة، مثل البروفسور شلومو زند، الذي يقول: (لقد حاولت أن أشرح في كتابي “اختراع الشعب اليهودي”، كيف فبركت الحركة الصهيونية تاريخًا مزيفًا لليهود مبنيًا على فكرة الشعب اليهودي. وبيّنتُ أن هذه فكرة خاطئة وخرافة، تمّ استعمالها من أجل تبرير الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية ومن أجل شنّ الحروب على الدول العربية).
لقد أسفرت ثورة البراق التي عمّت أرجاء فلسطين كلها عن تأجيج الشعور الفلسطيني والوعي بمخاطر الانتداب والمشروع الصهيوني، ورغم أعداء الضحايا الذين بلغوا 116 شهيداً و 232 جريحاً فلسطينياً، إضافة إلى أحكام الإعدام التي صدرت بحق الأبطال فؤاد حسن حجازي محمد خليل جمجوم وعطا أحمد الزير؛ فإن الفلسطينيين لم يستكينوا، واوقعوا خسائر كبيرة بالصهاينة المجرمين، بلغت 133 قتيلاً و339 جريحاً.
بعد ثورة البراق ظلّ البريطانيين على تمسكهم بدعم المشروع الصهيوني، مما أدّى إلى نشوب الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936.
تمثل هذه الخلاصة التاريخية مرآةً تحاكي الأحداث التي نشهدها اليوم:
1- ما بين دول كبرى لا تزال على دعمها المطلق للكيان الغاصب، الذي يشكّل جزءاً أساسياً من مشروعها الاستعماري، ولا يمكن تفسيره بمنطق العلاقات العادية ما بين دولة وأخرى.
2- وبين العصابات الصهيونية الإجرامية التي تستولي على فلسطين، وتقدّم نفسها للعالم بشكل حكومة وأحزاب ومؤسسات، وما هي في الحقيقة بدولةٍ ولا مجتمع يشبهان الدول والمجتمعات الأخرى، بل منظومة غير شرعية تقوم على القتل والإجرام، وتسعى بشكل هستيري لتهويد، بل إلى صَهيَنة الأرض والتاريخ والعقول.
3- وشعب فلسطيني يزداد يوماً بعد يوم تمسكاً بحقوقه وإقداماً وجرأة في الدفاع عنها، وسخاءً في تقديم التضحيات النفيسة لأجل استعادة الحقوق وتحرير الأرض.
في هذا العدد من نشرتنا الأسبوعية نجد خلاصات لأخبار وأحداث تتعلق بفلسطين، وكلّها تؤكد ما عرضناه من خلاصات، فالصهاينة يتابعون عملية صهينة فلسطين، مع التركيز على القدس أولاً، وإعطاء الأولوية لمجالات التعليم والفنون والثقافة كأدوات حاملة للمشروع الصهيوني.
وأمّا التطبيع فليس في الحقيقة إلا تعبيراً مخفّفاً عن مخطط الصَّهْيَنة، ولكن في مسار آخر يتصل بتدجين الأنظمة الحاكمة وإخضاعها علنياً للإرادة الصهيونية.
في المقابل نطالع أخباراً عن الأسرى والشهداء، الذين يمثلون حائط الصدّ الأساسي لما تخطط له الصهيونية، وعلى أيدي إخوانهم من أبناء الشعب الفلسطيني سيكون سقوط هذا المشروع الظلامي القاتل والإجرامي… بإذن الله تعالى.
بقلم الشيخ محمد أديب ياسرجي
أمين سر الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين