مقالات

هم سواء؛ الساكتون والظالمون

الأستاذ الدكتور الشيخ علاء الدين زعتري

آيات الله في القرآن تسوي بين مصير المظلومين الذين يسكتون على الظلم، وبين عاقبة الظالمين الذي يُنْزِلُون الظلم بالناس: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 97].

وفي المقابل يشيد القرآن بالذين يتناصرون لمقاومة الظلم، ويستنهض هممهم لمنازلته: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ * وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الشورى: 39-42].

ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجعل خنوع الأمة، وعدم تناصرها لمقاومة الظلم من العلامات الدالَّة على موتها، وانتهاء مبررات وجودها: فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: “إِذَا رَأَيْتَ أُمَّتِي تَهَابُ ‌الظَّالِمَ أَنْ تَقُولَ لَهُ: أَنْتَ ‌ظَالِمٌ، فَقَدْ تُوُدِّعَ مِنْهُمْ” [مسند أحمد، 6784].

ويَقُولُ: “إِنَّ اللهَ ‌لَا ‌يُعَذِّبُ ‌الْعَامَّةَ ‌بِعَمَلِ ‌الْخَاصَّةِ، حَتَّى يَرَوْا الْمُنْكَرَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ، وَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى أَنْ يُنْكِرُوهُ فَلَا يُنْكِرُوهُ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ، عَذَّبَ اللهُ الْخَاصَّةَ وَالْعَامَّةَ ” [مسند أحمد، 17720].

فكان من ثمار هذه التربية النبوية أن قامت روابط النصرة في مجتمع الرشد على تعشق العدل والتضحية في سبيله، وأن تصبح العدالة والحرية محور الثقافة الإنسانية، والسمة المميزة لنظمها، وقيمها وأعرافها، وهذا المظهر من مظاهر النصرة يمثل عقيدة الإيمان الحق.

فغياب الحرية ـ في حقيقته ـ هو غياب الإيمان؛ لأن حقيقة الإيمان المطلق ألا يخشى الإنسانُ أحداً إلا الله؛ وغياب الحرية معناه خشية غير الله.

ولقد فسر الطبري قوله تعالى: {يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور: 55] أن معنى: لا يشركون بي شيئاً هو أنهم لا يخافون غيري من جبابرة السلاطين (الاستكبار) والأشخاص (الطغاة).

وهذا يضع على التربية مسؤولية كبيرة في تنمية تعشق ـ الحرية ـ  ونصرتها والغيرة عليها والدفاع عنها إذا انتهكت.

لذا؛ ترى أحرار العالم وشرفاء الأمة مع أهل غزة، ويتفرع عن الحرية: تنمية الوعي بقيمة التعبير عن الرأي.

ولا بد للتربية أن تدرب متعلميها على ممارسة كلا من حرية الرأي، والنقد الذاتي بحيث تنطبق عليها المواصفات في قوله تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83]، وقوله تبارك وتعالى: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125]، وقوله سبحانه: {وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا} [النساء: 63].

واليوم؛ مَن ينتصر لأهل غزة الأبيَّة، غزة الشموخ والإباء، والتضحية والفداء؟!!

هل هم أبناء جلدتها؛ مِمَن تخلوا عنها، رغم ما يشاهدون في كل لحظة، من فعل المعتدي الآثم، يفعل ما يشاء، ولا أحد يردًّه، ولا قانون يردعه.

أجساد تُذبح وتصبح أشلاء، وأطفال تصرخ حناجرها من الألم، ولا أحد يستجيب للنداء، ودموع الثكالى التي لا تجف حزناً على زوج أو ولد أو إخوة، ولا رجع للصدى، وكأن العالم الرسمي في واد آخر.

هل بات العرب يديرون كؤوس الراح، وقد أداروا ظهورهم لأهل غزة، وأمسوا يتراقصون على موسيقى سلاح الفتك بأهل غزة؟!!!

لغزة شرف الصمود، وقربان الفداء، وبطولة التضحية، ولأهلها الإجلال والأكبار؛ وهم الأنبل والأطهر والأشرف في هذا الزمان.

ولخاذليها الشؤم والعار، والتردي والشنار، في قعر جهنم، لا يخفف عنهم العذاب ولاهم يُنْظَرون.

فاختر لنفسك طريقاً تلقى به ربك، راض عنك، وقد وقفت في جانب الحق ضد الظلم والطغيان، واحذر أن تكون من الساكتين عن وقوع الظلم بأهلك وأبناء أمتك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى