فتوى أولوية الإنفاق لنصرة غزة على حج التطوع وأداء العمرة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فقد وردنا سؤال حول ما هي الأولوية في ظل الظرف الحالي المتعلق بوضع أهلنا الصامدين في غزة العزة والضفة الغربية والذين ترتكب في حقهم المجازر تلو المجازر من قبل العدو الصهيوني المجرم، هل هي للإنفاق في سبيل الله في نصرتهم وإغاثتهم وسد حاجتهم ودعم جهادهم أم لحج التطوع وعمرة التطوع؟
نقول وبالله التوفيق، اتفق علماء الإسلام على كون الجهاد بالمال في سبيل الله عند تعرض بلد من بلاد المسلمين للعدوان من أهم فروض الأعيان، واتفقوا أيضا على أولوية الإنفاق في سبيل الله في نصرة المجاهدين وإغاثة المسلمين المنكوبين في أي مكان على إنفاق الأموال في حج التطوع وعمرة التطوع وغير ذلك من أبواب النوافل والمندوبات، واتفقوا أيضًا على أن الإنفاق في سبيل الله لإغاثة المسلمين الذين يتعرضون للعدوان أفضل بكثير من الإنفاق على حج التطوع وعمرة التطوع وغيرهما من أبواب النوافل والمندوبات.
وقد نصّ العلماء على أنه إذا كانت هنالك كارثة كانت المُواساة بالإنفاق في سبيل الله واجبةً عَلَى كل يملك مالا من المسلمين، سواء أكان غنيًا أم فقيرًا، فإِذا لَمْ يُوَاس المسلم إخوانه المسلمين الذين يتعرضون للإبادة من ماله بالقَدْر الذي يجبُ عليه بالمُواساة في الجملة فقد أثم. ثم بينوا أن مقدار الإنفاق الواجب غير محدد، ولكن لكي يخرج المكلف من الإثم لا بد أن يكثر من الإنفاق، ويقدمه على الإنفاق على المندوبات مثل حج التطوع أو عمرة التطوع لأنه لا يأثم بتركها.
وعندما ننظر في مقدار المال الذي ينفقه المسلمون على حج التطوع وعمرة التطوع حيث تزيد هذه النفقات على 20 مليار ريال سعودي في السنة الواحدة، فقد بلغ عدد الحجاج والمعتمرين في العام الماضي أكثر من 21 مليون حاج ومعتمر، ولا يقل عدد الذين يؤدون حج التطوع وعمرة التطوع منهم عن ثلثي هذا العدد، ولو أن هذا المبلغ الكبير أنفق على المجاهدين الصامدين في غزة العزة وفي الضفة الغربية لكان في ذلك كفاية لهم.
ومن الأدلة على وجوب تقديم الإنفاق في نصرة المجاهدين في غزة وعموم فلسطين وإغاثة أهلنا المنكوبين في غزة العزة على الإنفاق على حج التطوع وعمرة التطوع:
أنه لا يجوز تقديم الندب على الفرض العيني، كما أنه لا يجوز تقديم ما هو التحسينيات على الضروريات، فالإنفاق في نصرة المجاهدين وإغاثة المسلمين المنكوبين في غزة وعموم فلسطين فرض عيني وهو من الضروريات أما الإنفاق على حج التطوع وعمرة التطوع فهو مندوب وهو من التحسينيات.
أنّ المصالح العامة المتعدية مقدمة على المصالح الخاصة القاصرة عند التعارض، فالإنفاق في سبيل الله في نصرة المجاهدين وإغاثة المسلمين الصامدين في غزة العزة فيه مصلحته متعدية تشمل فئة كبيرة من المسلمين، بل مصلحته عامة تعم جميع المسلمين لأنّ في ذلك إعلاء لراية الجهاد في سبيل الله، والإنفاق على حج التطوع وعمرة التطوع مصلحته خاصة قاصرة على الحاج أو المعتمر.
فالذي ينفق ماله على حج التطوع وعمرة التطوع ويترك إخوانه الصابرين الثابتين في غزة العزة وفي الضفة الغربية دون أن ينفق عليهم فإنه يوقع نفسه في الإثم العظيم؛ لأنّه قام بالنافلة وترك الفرض، فهو كمن يصلي السنة ويترك الفرض.
هذا والله أعلم، والحمد لله رب العالمين.
المصدر: هيئة علماء فلسطين