مقالات

الصبر طريق النصر

الأستاذ الدكتور الشيخ علاء الدين زعتري

‌بالإيمان القوي، والعزيمة الصادقة، والتفويض المطلق لرب القدرة والعزة، انتصرت الفئة القليلة على الفئة الكثيرة.

‌ما منا من أحد إلا ويكره الموت وألم الجراح، ولكن نتفاضل بالصَّبر، وهنا يتحقق النصر.

ولقد ختم الله سبحانه وتعالى الآيات التي تفيد الاستعداد للقتال بتهيئة النفوس، واتخاذ سلاح المفاجأة؛ أول سلاح يرفع ضد الأعداء: ببيان سلاح آخر هو أمضى الأسلحة التي تغالب الزمان، وتناضل الحدثان، ألا وهو الصبر، مع ذكر المعية الربانية، والمصاحبة الكريمة التي أفاض الله بها على الصابرين، هي مصاحِبة النصرة والتأييد والتوفيق، فقال تعالى: {‌وَاللَّهُ ‌مَعَ ‌الصَّابِرِينَ}.

ومَن كان الله معه لا يضره كيد الكائدين، ولا يُحبِط عملَه إرجافً المرجفين؛ وإن عظمت مظاهرهم، وكبرت ألقابهم، وعلت منازلهم، وتعالت أصواتهم، بل جرت سنة المولى تبارك وتعالى في خلقه؛ بأن الضعيف ينتصر بالحق على القوي، والرشيد يغلب بالصدق والثبات على الظالم الغويّ، قال الله تعالى: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوَارِثِينَ} [القصص: 5].

نعم: إن ملاكَ الشجَاعَةِ الصَّبْرُ؛ الَّذِي يتَضَمَّن قُوَّة الْقلب ورباطة الجأش وثبات الروح، وعندها يأتي النصر المبين؛ بسبب قوة اليقين بملاقاة الله؛ فاليقين بلقاء الله يجعل الموازين عند الناس تختلف، ويجعل شعورهم بقرب النصر أعظم، ولو كانت الفئة المجاهدة قليلة؛ لأن النصر عندها لا يكون بعَدَد وعُدَة، وإنما يكون نصرهم بجندٍ من الله وبإذن الله سبحانه وتعالى.

فالله عزَّ وجلَّ يحق الْحق بكلماته، وَيقطع دابر الْكَافرين، فكم من فِئَة قَليلَة غلبت فِئَة كَبِيرَة بِإِذن الله، ‌وَالله ‌مَعَ ‌الصابرين، وفِي هذا البان تَرْغِيبٌ فِي الثَّبَاتِ لِلِقَاءِ الْعَدُوِّ، وَتَبْشِيرٌ بِالنَّصْرِ وَالْغَلَبَةِ؛ لِأَنَّهُ مَنْ كَانَ اللَّهُ مَعَهُ هُوَ الْغَالِبُ حتماً وبلا ريب؛ فالْفُرْسَانُ الحقيقيون هم أَهْلُ الْإِيمَانِ وَالْإِيقَانِ، وهم الصَّابِرُونَ عَلَى الْجِلَادِ وَالْجِدَالِ وَالطِّعَانِ؛ لا ترعبهم الكثرة الساحقة، ولا تذهلهم القوة الماحقة، ولا يتعللون بعدم التكافؤ، بل يمضون في طريقهم مقاومين، عالمين أن القوة إنما هي قوة الأرواح، لا قوة الأشباح.

إنه التأكيدٌ على الصبر، وأنَّه مَعقِدُ النصرِ ومَحَلُّهُ ومطرحه، ووسيلته مع الإعداد والاستعداد الصحيح؛ فالعَدَد والعُدَّةُ ليستْ بأعظَمَ مِن الصبر، والصابرُ هو الأقرَبُ نصرًا؛ ولو قَلَّ عَتَادُهُ.

وإنَّما ذكَّر اللهُ بالصبرِ؛ حتى لا تتعلَّقَ النفوسُ بالعددِ؛ فتتَّكِلَ عليه، وتَنسى معيَّةَ اللهِ وعَوْنَهُ للصابرينَ فيه، وبمقدارِ تعلُّقِ القلبِ بغيرِ اللهِ يَضعُفُ معه توكُّلُهُ ويَقِلُّ صبرُه.

قال بعض العارفين: (‌ذهب ‌الصابرون ‌بخير ‌الدنيا ‌والآخرة لأنهم نالوا معية اللَّه).

يقول أبو الدرداء رضي الله عنه: (إنما تقاتلون بأعمالكم)  [البخاري: 13].

وَاللَّهُ ‌مَعَ ‌الصَّابِرِينَ؛ معينهم وناصرهم، هو سبحانه معهم في قتال أعدائهم، بالنصرة والمعونة، والتأييد والقوة، وهكذا ينكسر العدد الكبير أمام العدد اليسير، وفي هذا دليل على أن الإيمان في المعركة هو المرجح.

وقد ذكر الله تبارك وتعالى أسباب النصر فقال: {اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله} [آل عمران: 200] وقال: {وعلى الله فتوكلوا} [المائدة: 23] وقال: {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون} [النحل: 128] وقال: {ولينصرن الله من ينصره} [الحج: 40] وقال: {إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون} [الأنفال: 45].

فيا أيها المجاهدون المرابطون، ويا أيها المقاومون والراسخون في الدفاع عن حرية الإنسان وكرامته: ثبتوا أنفسكم بالإيمان، وتسلحوا بالصبر والمصابرة، وأحسنوا نياتكم، وقووا عزائمكم؛ ولا يغرنكم كثرة أعدائكم؛ فأنتم الغالبون، والله معكم؛ فمَن يغلبكم!!

فليستيقن المؤمنون بالنصر، ولينتظر المحتلون الخذلان؛ فإن ما وعد الله به عباده واقع لا شك فيه.

ولله در التنزيل ما أحلى ماء فصاحته، وما أنضر رونق بلاغته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى