مقالات

المسيحيون الفلسطينيون.. فلسطينيون أولًا وأخيرًا

في أجواء احتفال المسيحيين في العالم بذكرى ميلاد السيد المسيح عليه السَّلام، أصدر بطاركة ورؤساء الكنائس في مدينة القدس بيانًا تطرّقوا فيه إلى أبرز التحديات التي تواجه المسيحيين في الأرض المقدسة عامة، وفي مدينة القدس بشكل خاص.

وقد تناول هذا البيان بعض النقاط الأساسية المتعلقة بالحرية الدينية للمسيحيين الفلسطينيين، وكذلك للحجاج المسيحيين القادمين من مختلف أنحاء العالم.

وطالب البيان الاحتلال بحماية “الحريّة الدينية والوصول إلى الأماكن المقدسة، وضمان عدم تعرّض أي مسيحي أو مؤسسة كنسيّة لخطر العنف أو الترهيب أو التهديد من قبل الجماعات المتطرفة”.

وجاء في البيان: “أصبح المسيحيون، في جميع أنحاء الأرض المقدسة، هدفًا لهجمات متكرّرة ومستمرّة من قبل الجماعات المتطرفة. فمنذ عام 2021، كان هنالك عدد لا يُحصى من الاعتداءات الجسديّة واللفظيّة ضد الكهنة وغيرهم من أفراد الإكليروس، ناهيك عن هجمات على الكنائس المسيحية، وتخريب للأماكن المقدسة وتدنيسها، وترهيب مستمرّ للمسيحيين المحليين الذين يسعون ببساطة إلى العبادة بحريّة وممارسة حياتهم اليوميّة. يتم استخدام هذه التكتيكات من قبل هذه الجماعات المتطرفّة في محاولة منهجيّة لدفع الجماعة المسيحية للخروج من القدس والأرض المقدسة”.

إنَّ هذا البيان، ورغم أنَّه يتناول نقاطاً هامة، يبدو غير معبّر عن رأي المواطنين المسيحيين الفلسطينيين، الذين عاشوا بسلام وأمان في الأراضي المباركة، وكانت نسبتهم تصل لأكثر من 20% من عدد السكان في بدايات القرن الماضي، إلا أنّ هذه النسبة بدأت بالتراجع منذ الانتداب البريطاني – المسيحي حسب الظاهر والصهيوني حقيقةً – إلى أن وصلت نسبتهم الآن إلى حوالي 2% فقط بسبب الانتهاكات المنظمة والاعتداءات الإجرامية للاحتلال الصهيوني.

ومن أجل ألا يكون هذا الموقف من البيان موقفًا شخصيًا، فقد استطلعنا آراء بعض القيادات الدينية العربية الفلسطينية المسيحية، في هذا البيان، والذين أجمعوا كعادتهم على أنّ مطالب المسيحيين الفلسطينيين تتطابق تماماً مع مطالب المسلمين الفلسطينيين، لأنها مطالب وطنية مشتركة، يأتي في مقدمتها مطلب التحرير لكامل الأرض الفلسطينية دون تنازل عن ذرة تراب.

وأشارت هذه القيادات إلى أنّ اي خطاب يصوّر المسيحي الفلسطيني وكأنه وافد على هذه الأرض أو جالية غريبة عنها، فهو خطاب يحاكي خطاب الاحتلال الصهيوني، فالمسيحي فلسطيني والفلسطيني عربي، والعرب الفلسطينيون بمسلميهم ومسيحيييهم ينتمون إلى أمة ماجدة واحدة، وأن المسيحي الفلسطيني لن يهلك وحده، إن هلك ولا سمح الله؛ ولن يخلص وحده، بل إن الهلاك المرفوض والخلاص المطلوب كلاهما مشترك مع إخوانهم ومواطنيهم المسلمين، وجميعنا – مسلمين أو مسيحيين – فلسطينيون أولًا وأخيرًا، فلسطينيون حتى التحرير واستعادة المقدسات والحقوق.

جدير بالذكر أن معظم القيادات الدينية المسيحية العليا في فلسطين هي قيادات أجنبية، وتنتمي غالبًا إلى التابعية اليونانية أو الروسية أو الإيطالية، وهي تسيطر على الصفوف العليا في القيادة الدينية بمقتضى اتفاقات تمت منذ عهد العثمانيين وما بعدهم؛ وبالتالي يرى العديد من القيادات العربية المسيحية الفلسطينية – بمن فيهم الدينيون والمدنيون – أنّ هذه القيادات الغريبة لا يمكن أن تعبّر عن آلام ومواجع المسيحيين العرب، الذين يتشاركون المعاناة نفسها مع إخوانهم الفلسطينيين المسلمين.

كما أبدى هؤلاء استغرابهم من التركيز فقط على الحقوق الدينية، في الوقت الذي سرق فيه الاحتلال الصهيوني كل الحقوق الإنسانية من الفلسطينيين جميعاً، وأصبح الفلسطيني لاجئًا في وطنه، أو في دول الشتات، وقد اتفق معظم العالم المنافق على مداهنة هذا الاحتلال، الذي يسعى إلى تكريس كل ما هو في فلسطين باسمه وعلى هويته الصهيونية العنصرية.

ختامًا يؤكد المسيحيون الفلسطينيون أنهم سيبقون فلسطينيين أولًا وأخيرًا، وأنّ خيارهم محسوم لصالح المقاومة والتحرير، لا يغيره الاحتلال ولا اتفاقات السلام المزعوم ولا صفقات الزعماء المغرورين ولا التطبيع الذليل.

الشيخ محمد أديب ياسرجي
أمين سر الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى