مقالات

الهجرة المضادة.. دلالات

تراجُع في العقيدة.. الأبناء لا يشبهون الآباء

لا يمكننا أبدًا وبأي شكل من الأشكال قراءة الهجرة اليهودية المعاكسة ــ من الكيان إلى خارجه ــ كقراءتنا لأيّ نوعٍ من أنواعِ الهجرةِ لأيّ مجتمعٍ من المجتمعات في العالم كلّه، لأنّها مختلفة كل الاختلاف عن كل الهجرات، وإن بَدت في ظواهرها متشابهة.

فهي ليست مجّرد نوعًا من أنواع التحرك نحو بلدٍ بحثًا عن طريقة عيش أفضل، أو لتأمين مستوى دخل أعلى، أو مكانًا آخر يسمح لهذا المهاجر الحصول على مستوى علمي أعلى يفتقده في بلاده المتخلفة عن ركب الدراسات العلمية العليا والمتقدمة، وهي أيضًا ليست من أجل إشباع النهم العلمي للمهاجر الذي يفقد المكان الذي يُمارس فيه نهمه ويطور شخصيته العلمية ويُحقق ذاته العلمية من خلال هذه الهجرة من الوطن الأم، كل ذلك لاينطبق عمومًا على الهجرة اليهودية المعاكسة.

نحن لانطلق على كل الصور الآنفة الذكر بأنها هجرة معاكسة أو مضادة مهما اختلفت أسبابها لدى الأفراد جميعًا، وبغض النظر عن بلدانهم وأحوالها، لأنهم يُهاجرون وأوطانهم تسكن داخلهم، وينتظر كل منهم تغيّر أوضاع بلده ليعود لوطنه مع كل خبراته وأرزاقه ليكمل مسيرة آباءه وأجداده، وليبني بلده ضمن رؤيا يرى فيها مصلحة بلده ومُستقبلها، هذه التسمية “الهجرة المعاكسة” لا تنطبق إلا على اليهود الصهاينة، الذين هم بالأصل قد هاجروا إليها طالبين لكل ما يطلبه أي مُهاجر، ولسبب آخر أيضًا وهو أن هذه الأرض ــ بزعمهم ــ هي الوعد الإلهي لهم، وهي أرض السمن والعسل، وهي أرض الآباء والأجداد الذين عانوا من كل أنواع التشريد والاضطهاد وقد آن لهم أن يستقروا بعد رحلات العذاب الطويلة التي عانوا منها، لذلك فهي هجرة ذات أبعاد ودلالات مختلفة تمامًا، إنها تراجع بالفكرة والمفهوم والانتماء، إنها تراجع الاستراتيجية والأيدلوجيا معًا، إنها دلالة على تحوّل في نظرية الأرض والوطن والهًويّة، والتاريخ والدين.

هذا ليس تكّهن أو مبالغة، أو رغبة من شخص سلب هؤلاء أرضه ووطنه، وسرقوا تاريخه وآماله، ولكنها دراسات جاءت على السنتهم وفي دراساتهم للتحديات التي تواجه كيانهم الغاصب، لقد كشفت وزارة استيعاب المُهاجرين الجُدُد في إسرائيل عشية الذكرى الستين لتأسيس الكيان الصهيوني من خلال الحملة الواسعة لإعادة أكبر عدد ممكن من الإسرائيليين الذين غادروا الكيان وأقاموا في بلدان الغرب وبلغ عددهم / 700/ ألف نسمة، وأشارت الوزارة الآنفة الذكر بأنها تجد صعوبة في إقناعهم بالعودة إلى الكيان، رغم أنها رصدت هذه الوزارة حوالي / 140/ مليون شيكل لهذه العملية التي كان شعارها “لنعد إلى أرض الوطن”.

ولقد أثار البحث الذي أعده معهد “هيبرو يونيون كولج” بالتعاون مع جامعة “كاليفورنيا ديفينس” قلقًا شديدًا في “إسرائيل”، لأنه بين أنه كلما كان عمر الشاب اليهودي المُقيم في أوروبا أصغر، تراجعت نسبة الشعور بالانتماء لـ”إسرائيل” ورؤيتها، وأشارت النسبة أن 52% من اليهود المقيمين في أمريكا غير مبالين بما يحصل في “إسرائيل”.

الحديث بهذا الأمر يطول، ولكن يمكننا أن نحصل على نتيجة دقيقة بأن هذا الكيان إلى زوال، لأنّ من هم معنيون بالهجرة إليه يُغادرونه بدل البقاء والحماية له.

على عكس الأجيال الفلسطينية المتلاحقة، الأبناء في معظمهم أشدّ صلابة ممن سبقهم، وأكثر معرفة بمن اسْتعْمَرهُم، ومن يُساعدُه ويشُد أزره، وهم الذين يُبدعون كل يوم فنًا جديدًا.

الشيخ الدكتور عبد الله كتمتو
منسق الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى