صوت طيف من داخل (غزة).. بعد عام على طوفان الأقصى
الأستاذ الدكتور الشيخ علاء الدين زعتري
مر عام وزيادة على الأمة العربية والإسلامية بل وعلى الإنسانية جمعاء ثقيل متطاول؛ حتى كأنه سنون من قرون من الزمان؛ لما فيه من ظلم وطغيان، وعدوان وعار، وذل كل أمم الأرض.
ولكن يمكن اعتباره عاماً وجدنا فيه قفزات من الخير على صعيد الضمير الإنساني الحر؛ لم يكن أحد يحلم بها لمئة عام قادمة، إن لم يكن أكثر.
(غزة) شعار التف حوله أصحاب الضمائر الحية، والإنسانية الحقة، وصارت (غزة) فرقانَ حقٍ، تميز بها الخبيث من الطيب، والغث من السمين.
فالمقاومون يقاتلون من أجل الحرية للشعب الفلسطيني، والمدنيون يصمدون من أجل حقوقهم المشروعة في أرضهم وبلدهم التاريخي، وقد بلغ الكفاح ذروته منذ ما يزيد على ثلاثة أرباع القرن.
ولنا مع هذا العام التاريخي؛ بما فيه من آلام كبيرة، وآمال عريضة وقفات، أهمها:
وقفة مع أهلنا الأبطال في غزة، وفلسطين ومحور المقاومة في ساحاته المتحدة.
نعم؛ في الواقع المادي:
فقد إخواننا في الداخل وفي المحور المقاوم؛ مستلزمات الحياة ومقوماتها: البيوت، والأموال، والأهل، والأصدقاء، والأبطال، والقادة، والسادة، مدنيين ومقاتبن في الجبهات، وسياسيون.
حوصروا من الجهات كافة؛ بيد العدو الغاشم، وبأيدي بعض أبناء جلدتهم، حوصروا من البر والبحر والجو؛ قُطِع عنهم الغذاء، ومُنِع عنهم الدواء، وحوربوا داخل المستشفيات، واسشهدوا على أسرة المرض، وتحت أنقاض الأنقاض، ولو استطاع العدو أن يقطع عنهم الهواء لفعل.
ولكن، على المستوى المعنوي:
لم يخسر إخواننا ومحور المقاومة كرامتهم، ولم يتخلوا عن عقيدتهم، ولم يُفرِّطوا في عزتهم وعزة أمتهم؛ كيف، وهم الذين يدافعون عن الأمة العربية والإسلامية، بل وعن الإنسانية في مواجهة قوى الشر والطغيان، والبطش والعدوان، والظلم والاستكبار.
بل صبروا وصمدوا، واستطاعوا أن يعلَّموا العالم كله: كيف يكون الدفاع عن الأوطان؛ من فوق الأرض ومن تحت الأرض، بل وفي السماء بوسائل صنعوها بأيديهم، وبوركت تجهيزاتهم التي طالت العدو من آلاف الكيلومترات.
أظهر أهل غزة ومحور المقاومة دفاعاً عن الحرية لم يعرف التاريخ البشري مثيلاً له.
وضربوا أروع الأمثلة تلو الأمثلة في المقاومة والكفاح والنضال؛ من أجل حقوقهم المشروعة، والتي يُعمي العدو بصره وبصيرته عنها.
وقفوا أبطالاً صامدين، رغم وقوف حكومات العالم كلها ضدهم، فكانوا مصداقاً عملياً لقول الله تبارك وتعالى: {ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَد جَمَعُواْ لَكُم فَٱخشَوهُم فَزَادَهُم إِيمَٰنا وَقَالُواْ حَسبُنَا ٱللَّهُ وَنِعمَ ٱلوَكِيلُ} [آل عمران: 173].
علمت (غزة) ومحور المقاومة العالمَ كله: قوة الصبر، ويقين الإيمان على وجه الحقيقة، بل إن المشاهد التي رآها العالم من داخل (غزة) علمتهم قيمة الإنسانية الحقة.
أوَلم تتابعوا ذاك الطفل الذي رفض أن يخرج من تحت الأنقاض حتى يأخذ قطته معه؛ معلِّماً العالم حقيقة الرحمة.
أوَلم تروا تلكم الأم المرضع، والتي حملت جثة رضيعها في أحضانها؛ رافعة الصوت بالحق، وهي تقول: (نعم المولى ونعم النصير)، معلِّمة العالم حقيقة التسليم لله رب العالمين، كما جاء في القرآن: {وَإِن تَوَلَّواْ فَٱعلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ مَولَٰكُم نِعمَ ٱلمَولَىٰ وَنِعمَ ٱلنَّصِيرُ} [الأنفال: 40].
أوَلم تتأثروا بالجد الخالد في ذاكرتكم (خالد)، وهو يقبِّل حفيدته العزيزة (ريم)، مودِّعاً جسدها الطاهر، منادياُ لطف روحها: (يا روح الروح)؛ فقد علَّم العالم حقيقة الحب والمودة.
وأخيراً وليس آخراً؛ ها هو قائد (طوفان الأقصى) يمضي شهماً شهيداً، بيده سلاحه الأخير يستخدمه حتى في أخر لحظة من حياته؛ معلِّماً العالمل معاني البطولة والدفاع عن الحق.
لقد كانت البشرية تظن أن العالم كله حرٌ إلا (غزة)؛ فما لبث أن عرفنا وتأكدنا أن (لا حُرَّ في العالم سوى غزة).