مقالات

فلسطين.. محور الصراع

بقلم الشيخ محمد الناوي

(يُخَرِّبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ…)(الحشر 2)

تتَدحرج الأوضاع في الشرق الأوسط بشكل خطير، حيث لا يَعلم مآلات هذا الصراع إلا الله. والسبب في كل ذلك هو زَرْع كيان لقيط ومجرم في قلب هذه الأمة.

نحن نُصارع عدوًا لا يعترف بحرمة الإنسان، وبنى وجوده على جماجم الأبرياء وأصحاب الأرض والمقدسات. هذا العدو استباح الإنسانية في مبادئها، وطوّع النظام الدولي لخدمته، واستدرج أعتى طواغيت الأرض لدعمه، وفتح مراكز القرار في دولنا للتطبيع معه، بل واخترق العقل المسلم لخدمة أجنداته وللتسويق لزيف ادعاءاته من حيث يدري ومن حيث لا يدري.

هذا العدو نشهد له بدَهائه الشديد وعمله الحثيث ليراكم القوة المعنوية والمادية، في الوقت الذي نجح فيه بإشغالنا بنزاعاتنا الداخلية، سواء بتدمير دولنا الوطنية أو بإثارة الفتن الطائفية والمذهبية.

نحن نقول هذا الكلام ليس من باب زرع الوَهَن في نفوس المؤمنين، ولكن لنضعهم في إطار الصورة الصحيحة التي يجب أن يستوعبها كل حر وشريف، ولنقول ما قاله أصحاب البصيرة قبلنا: إن الصراع مع هذا العدو هو صراع وجودي بامتياز، وإن الأمة الإسلامية مستهدفة بكل أطيافها بدون استثناء، وأن الوقوف على الحياد حول ما يجري تحت أي ذريعة هو خيانة لله ولرسوله، وأن العدو لن ينتصر علينا إلا من خلال النفخ في اختلافاتنا، وأن انكسار أي فريق من المسلمين هو انكسار لنا جميعًا.

إن العدو الصهيوني، بعد أن أباد غزة ودمر لبنان وسوريا واعتدى على اليمن، قد ظن أن الفرصة سانحة لإطلاق الرصاصة الأخيرة على الأمة من خلال الاعتداء على الداعم الأول لفلسطين وحركات المقاومة في المنطقة. ولكننا نرى أنه قد أخطأ في الحسابات هذه المرة، إذ رغم جبروته وامتلاكه لقوة تدميرية كبيرة، فإن الطرف المعتدى عليه يمتلك من الإمكانات والخبرات ومن النفس الطويل والإيمان القوي ما يجعل خواتيم هذه الجولة بيده.

إن حلم العدو في تقسيم الأمة قد بدأ يتبخر، وكل يوم من المواجهة بات يومًا من أيام الله، وكل صاروخ يسقط على دولة الاحتلال يُهلل له كل مسلم شريف من طنجة إلى جاكرتا. ومع استمرار هذه المواجهة، تنصهر كل المذاهب وتتمايز الصفوف لنكون أمام مذهبين: فإما أن تكون مقاومًا شريفًا عزيزًا، أو أن تكون خائنًا وصهيونيًا. هذه هي المعادلة التي كان يخشاها العدو، وهذا هو الفخ الذي صنعه بيده ليقع فيه، ولتبدأ أولى مراحل زواله من الوجود بإذن الله.

إن كل ما بناه العدو قد دمره بعدوانه ليتحقق قرآن رب العالمين (يُخَرِّبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ). فما بنوه لثمانين عامًا نراه هباءً منثورًا بفعل سواعد المخلصين الذين يثأرون لمظلومية أهلنا في غزة.

إن العدو يعلم حتمًا عواقب عمله الإجرامي، ولكنه تعمد المجازفة ليَجُرّ داعميه إلى التدخل المباشر في الحرب، وهو يدرك أن تدخل القوى الكبرى إلى جانبه من شأنه أن يجعل الحسم بيده. ولكن عقيدة (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) (الروم 4) التي يحملها المجاهدون و(إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ) (محمد 7) هو ما شكّل الزاد والدافع المعنوي لهم ليخطوا صفحة مشرقة في تاريخ هذه الأمة، ولينالوا شرف تحقق الوعد الإلهي في آخر الزمان بتدمير هذا الكيان المجرم وإرساء العدالة المنشودة.

إنّ المطلوب من العلماء هو أن يغتنموا هذه الفرصة لتوحيد الأمة ضد عدوها اللدود، وأن يرصوا الصفوف لتقف مع كل مجاهد شريف يُقارع العدو وينتصر لفلسطين. ففلسطين باتت محور الصراع الدولي، والأمة كلها في اختبار مصيري: إما أن تحرر أرضها ومقدساتها وتعيش حرة عزيزة، وإما أن تدخل نفقًا مظلمًا من الاستعباد لن تخرج منه لأجيال وأجيال. والنصر للإسلام والعزة للمسلمين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى