مقالات

غزة: نحن الطوفان ونحن اليوم التالي

بقلم الشيخ محمد الناوي

قال تعالى: ﴿وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد﴾ (إبراهيم: 13-14).

من السنن الكونية الثابتة عبر التاريخ قلة أهل الحق وكثرة أهل الباطل، وغالبًا ما اجتمعت هذه القلة مع ضعف الإمكانات المادية في مواجهة كثرة أهل الباطل وقوتهم. ومن هنا نفهم سفاهة أهل الباطل في فكرهم ومنطقهم، حيث يتصرفون استنادًا إلى قوتهم المادية، وكأنهم من يمسك بمقاليد العالم.

وفي الأيام الأخيرة، سمعنا تصريحات وقحة تدعو إلى تهجير أهلنا من غزة، وكأنها أرض معروضة للبيع والشراء، في استهتار واضح بمشاعر المسلمين خاصة، والإنسانية عمومًا. ورغم أن هذه التصريحات تحمل الكثير من سفاهة القول، إلا أننا يجب أن نتعامل معها بجدية، لأننا نعلم يقينًا أن أصحابها لا يحملون سوى روح الإجرام والاستعلاء والطغيان. فهذه القوى الاستعمارية لم تُبنَ إلا على جماجم السكان الأصليين، واقتصاداتها قامت على نهب ثروات الشعوب، ومؤسساتها الدولية، التي أُنشئت بعناوين براقة للتحكم في سياسات الدول وإذلالها، أثبتت حقيقتها الإجرامية، حتى تخلّوا عنها وأعلنوا أنها لا تملك ولاية عليهم.

رسالة إلى السفهاء الذين يحلمون بتهجير أهل غزة

أنتم تجهلون ماذا تعني غزة لأهلها. لم تستوعبوا دروس التاريخ ولا علم النفس لفهم العلاقة العميقة بين الفلسطيني وأرضه. فغزة ليست مجرد رقعة جغرافية، بل هي جزء من كيان أهلها، تربتها امتزجت بعظامهم ولحمهم ودمائهم. خفقان قلوبهم لا يهفو إلا إليها، ولن تدركوا أبدًا معنى هذه الرابطة الوثيقة بين الإنسان وأرضه.

كل شبر من أرض غزة شهد خطوات المجاهدين، وسالت عليه دماء طاهرة ودموع ساخنة، وعانى القهر والدمار. من صمدوا طيلة خمسة عشر شهرًا أمام أعتى آلة حرب لن يقبلوا بالتهجير، ولن تحتضن غزة إلا الأحرار والشرفاء.

رسالة إلى شعوبنا المسلمة، وخاصة في دول الطوق

قوى الشر تخطط لتهجير أهل غزة، وهذا يستوجب رفض الفكرة رفضًا قاطعًا، والعمل على دعم صمودهم عبر إعادة إعمارها وتقديم كل سبل العون. كما أن أهل غزة، فور إعلان وقف إطلاق النار، عادوا إلى بيوتهم رغم الدمار، فعلينا أن نكون أول من يمدّ يد العون لهم، انطلاقًا من واجبنا الشرعي والإنساني. فأهل غزة لم يدافعوا عن أنفسهم فقط، بل عن كرامة الأمة بأسرها، وكل ما نقدمه لهم لن يفي بحقهم.

تصريحات التهجير: قمة الاستهزاء بالقوانين الدولية

ما نسمعه من تهديدات بتهجير أهل غزة يعكس تفكيرًا عبثيًا، واستهزاءً بمشاعر الشعوب الإسلامية، وخرقًا فاضحًا للقوانين الدولية. وكأن أصحابها يريدون إثارة زوبعة جديدة لنسيان قرارات المحكمة الجنائية الدولية بحق مجرمي الحرب على غزة، غير مدركين أن التهجير القسري لا يقل خطرًا عن جرائم التطهير العرقي.

هذه الأفعال ليست فقط غير قانونية وغير أخلاقية، بل هي غير مسؤولة أيضًا، وتمثل اعتداءً صارخًا على حقوق الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية. وعلى المجتمع الدولي أن يتصدى لمثل هذه التصريحات الخطيرة، لأنها قد تشعل توترات إقليمية ودولية.

نحن الطوفان ونحن اليوم التالي

هذا هو شعار رجال الله في غزة، وعلى أصحاب التصريحات المشينة أن يدركوا معناه جيدًا. كما أن على العالم العربي والإسلامي أن يترجم هذا الشعار عمليًا، من خلال رفضه القاطع لأي محاولات تهجير، والعمل الجاد على إعادة إعمار ما دمره العدو.

قال تعالى: ﴿والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون﴾ (يوسف: 21).

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى