مقالات

لكي لا ننسى

من أصعب الصعوبات أن يبذُل الفرد منا جُهدًا في شرح البديهيات، سواء كانت تلك علمية أو تاريخية أو اجتماعية، فنجد هذا الفرد يتحمل من مشاق تقريب المفاهيم لمن يستهدفهم بخطابه، مالا يجده من مشقةٍ حين يتحدث ويشرح أعقد المسائل الفكرية والعقدية بل حتى مسائل ما وراء الكون.

ويبدو أنّ قضية القدس وأحقيتها قد دخلت هذا المضمار الفكري، إذ إنها باتت تحتاج في استحضارها في وجدان الشعوب العربية والإسلامية، إلى الكثير من الجهد ــ رغم بداهيتها ــ لتعود إلى مكانتها وقدسيتها في الوجدان العربي والإسلامي، وإلى العقل الجمعي لدى الكثير في هذا الزمن الصعب، ولا سيما في ظل التداعيات التي تمر بها كل من الأمتين العربية والإسلامية، وفي ظل التطبيع المجنون والمحموم من قِبل البعض العربي والمسلم.

من هنا نُذكّر فنقول هل نسي هؤلاء كنيسة القيامة ومهد السيد المسيح ؟ ودعوته إلى العدل والحب والتسامح ؟ وحرصه على عدم الاعتداء على الآخر، سواء في ماله أو بدنه أو أهله ؟ أم إنّ السيد المسيح لا علاقة له بالقدس وكنيسة القيامة وبيت لحم ؟ وهل السيد المسيح هو ابن هذه الأرض أم وافدًا إليها من بريطانيا أو فرنسا أو إيطاليا أو أميركا، بعيناه الزرقاوان وشعره الأشقر وبشرته البيضاء الدالة عل غُربته عن أرض فلسطين ؟ فإن كان الجواب أنّ فلسطين والقدس وبيت لحم هي مهده ومكان ولادته ودعوته، فعليهم واجب تطهير هذا المقدس ممن يدنسه وينشر فيه الرذيلة، ويسرقه لينسبه إليه زورًا وبهتانًا.

ونقول من جهة أُخرى هل نسي الطرف الثاني في معادلة الصراع مع الصهيونية معراج نبيهم وصلاته بالأنبياء ؟ أم نسي هؤلاء المسجد الأقصى ووصايا رسول الله لهم بالعناية به ؟ أم نسوا الفتح الإسلامي له ؟ أم نسي هؤلاء قبور صحابة رسولهم الموجودة على ثرى القدس وفلسطين ؟ أم إنهم لا يعتقدوا بوجود قبة الصخرة ولا وجود معراج للنبي محمد ولا لحائط البراق ؟ أم إنهم لم يمُر عليهم ما تعاهد عليه خليفة المسلمين عمر مع رأس هرم الكنيسة في القدس ؟ أم إنهم يشكوّن في تاريخهم ودينهم وعروبتهم، بل حتى بنسبهم إلى هذه الأمة العريقة في التاريخ والرسالات السماوية ؟

قد تُصاب الأمة في فترة من الزمن بالهزيمة، ولكن ليس مُبرر لها عند إرادة الخروج من الهزيمة أن ترفض أو تبدل هويتها وتاريخها وتتنازل عن مقدساتها، وتزعم أنها تُريد رمي الأثقال التي تُعيق تقدمها وحريتها المنشودة.

إنّ ما يفعله المتغافل عن المقدسات وما يُحاك لها من الصهاينة وأعوانهم وأذنابهم، وما يقوم به دعاة التطبيع اليوم هو الهزيمة بعينها من دون شك أو ريب، وهو الخسارة للدين والتاريخ والأوطان والمقدسات، وليس أبدًا إنقاذها، إنه الذهاب إلى التيه والمجهول الذي لا رجعة منه أبدًا، هل وضحت هذه البديهيات أم لبس بعد ؟

الشيخ الدكتور عبد الله كتمتو
منسق الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى