“إسرائيل” كيانٌ ضعيفٌ أمامَ المِحنِ هشٌ عند الفِتنِ
د. مصطفى يوسف اللداوي
تكشف حادثة سقوط وتحطم المروحية العسكرية الإسرائيلية قبالة شواطئ حيفا، وإصابة ومقتل طاقمها، وحالة الرعب والخوف التي سادت الأوساط الشعبية الإسرائيلية شمال فلسطين المحتلة، وحالة الطوارئ القصوى التي أعلنتها الحكومة وقيادة الجيش ومستشفيات مدينة حيفا، أن الكيان الصهيوني، حكومةً وجيشًا وشعبًا، كيانٌ لا يستطيع احتمال الصدمات، أو الصبر عند الملمات، ولا يستطيع الصمود أمام المفاجئات، أو الثبات في مواجهة الصعاب والتصدي للتحديات، سواء كانت كوارث طبيعية، أو نتيجة صداماتٍ عسكرية، أو جراء أخطاء تقنية أو حوادث عرضية، أو بسبب عمليات المقاومة النوعية، التي تحدث في صفوفه إصاباتٍ مباشرة وخطيرة، وتخلف أعدادًا كبيرة من القتلى والجرحى من المدنيين والعسكريين معًا.
ولأنه لا يستطيع تحمل خسائر بشرية حقيقية، ولا يقوى على تقبل نتائج المواجهات العسكرية الضارية، فهو يتجنب كل المواجهات المباشرة التي من المحتمل أن تلحق به خسائر بشرية كبيرة وموجعة، ويرفض دائماً خوض حروبٍ أو اجتياحاتٍ بريةٍ واسعةٍ، يكون فيها مضطرًا إلى استخدام سلاح المشاة، ولو كان مدعومًا بغطاءٍ جوي، وبكثافة نارية عالية من سلاح الدبابات والمدفعية، ويحرص على تجنبها رغم حاجته إليها، وإعلان كبار ضباطه وخبرائه المتكرر، أنه لا حل لمشكلة صواريخ المقاومة وتنامي قواتها العسكرية والأمنية، إلا باجتياحٍ بريٍ واسع، إلا أنه رغم كل التوصيات التي يخلص إليها، فإنه لا يستطيع خوض غمار هذه التجربة، لأنها ستكون قاسيةً جدًا عليه، ولو أنه سيوجع “خصمه” وسيؤذيه، ولكن “خصمه” المقاوم جاهزٌ دوماً لهذه الكلفة العالية من ضريبة المقاومة والنضال.
كما تخشى الحكومة الإسرائيلية وقيادة أركان جيش الكيان من أي حراكٍ شعبي معارض ومناهض لعملياتهم الحربية، بما يشبه “حراك الأمهات” الذي عانوا منه كثيراً، ودفع الحكومة والجيش إلى اتخاذ قراراتٍ اضطرارية لتجنب الغضبة الجماهيرية وتوسع إطار فعاليات “حراك الأمهات”، ومن المتوقع عودة هذا الحراك بصورةٍ فاعلةٍ وقويةٍ في ظل سقوط عدد كبير من القتلى الإسرائيليين، أو سقوط بعضهم أسرى بأيدي المقاومة، وهو الأمر الذي بات مؤكداً وفق مختلف القراءات العسكرية والأمنية الإسرائيلية، في ظل تنامي قدرات المقاومة على مختلف الجبهات وفي كل المستويات القتالية.
ومما يؤثر في عدم قدرة الكيان الصهيوني على تحمل أعباء أي مواجهة حقيقية قادمة، هو تغير الأجيال اليهودية، وتبدل التركيبة السكانية، وغياب الأجيال العقائدية القديمة، التي آمنت بالمشروع اليهودي وضحت من أجله، وهاجرت إلى “الأرض الموعودة” فلسطين، “أرض الأجداد والعسل والمن والسلوى”، إذ أصبحت الأجيال الجديدة أكثر حرصًا على الحياة، وأشد نفورًا من الحرب، وأبعد ما تكون عن التضحية العامة في سبيل الأهداف القومية والغايات الدينية.
وإلى جانب غياب المفاهيم العقائدية ورجالها، فقد ظهرت أجيالٌ يهودية جديدة تبحث عن الحياة العصرية الهادئة الوادعة، البعيدة عن المخاطرة والمغامرة، والمتطلعة إلى المتعة والتسرية واستخدام وسائل التطور الحديثة، التي سهلت الحياة وجملتها، وجعلت التمسك بالمكتسبات الفطرية أهم بكثير من الحفاظ على الثوابت القومية والعقدية، وتظهر هذه الميزة بوضوح من خلال موجات السفر الكبيرة التي يشهدها الكيان الصهيوني في ظل الحروب والمواجهات والقلاقل الأمنية.
هذا الكيان اللقيط كيانٌ مسخٌ هشٌ ضعيفٌ، فسيفسائيٌ هجينٌ غير منسجمٍ، سرعان ما يسقط ويهوي، ويتمزق ويتشظى، وينكسر ويتهشم عند أي محنة كبيرة تواجهه، أو في ظل أم مواجهة حقيقية تخوضها ضده المقاومة العربية على اختلافها، إذا شعر أن الكلفة باهظة والتضحيات كبيرة، والخسائر المتوقعة أكبر من قدرته على احتمالها، ولهذا ينبغي دومًا أن تكون كلفة احتلاله عالية، وضريبة اغتصابه للأرض كبيرة، وعاقبة عدوانه علينا موجعة، دمًا ومالًا واستقرارًا، حينها لن يكون له وجودٌ وسيتفكك، وسينهار من داخله ويرحل مستوطنوه وينتهي.
مختصر عن المصدر: د. مصطفى يوسف اللداوي