مقالات

قراءة رسالية في يوم القدس العالمي

في شهر رمضان، شهر الطُهر والصفاء، شهر القرآن والفرقان، شهر الجهاد والانتصار، وفي الجمعة الأخيرة، حيث الكمال العرفاني للصائمين، ومُلامسة القلوب لحقيقة التقوى، وحيث العيش مع التبتل والدعاء والإجابة.

تأتي الدعوة من هذا الإمام المسكون بهموم الإسلام والمسلمين، ليُعلن في هذا الجو المشحون بالعبودية والطاعة والجهاد، بأن يوم الجمعة الأخيرة من رمضان هو يومٌ عالميٌ للقدس، تُترجم الأمة العربية والإسلامية، بل الإنسانية جمعاء، من خلاله معاني عزتها وكرامتها، رافضة الذل والخضوع والتبعية، وتُعلن عن موقفها من المُستكبرين، إنه يوم مواجهة المستضعفين للمستكبرين، ويوم الوقوف في وجه كل الطواغيت، مهما اختلفت صفاتُهم وأسمائهم.

يقول الإمام الخميني قدس سره: “يوم القدس هو يوم الإسلام”، “يوم القدس يجب فيه إحياء الإسلام وتطبيق قوانينه” في هذا اليوم يجب أن كل قوى الظلم، أن الإسلام لن يقع بعد الآن تحت سطرتهم، أو سيطرة عملائهم، إنّه التحرك والنزول إلى الشارع والتعبير العملي عن رفض الشعوب لكل صور الاستكبار والهيمنة، وهوكذلك رفضاً للصهيونية والاحتلال.

أراد الإمام الخميني رضوان الله عليه، من هذا الإعلان أن تبقى القضية الفلسطينية حية في الضمير الإنساني، وتبقى القبلة الأولى ومسرى رسول الإنسانية، حاضرةً في ذاكرة الأمة لتعمل على استعادتها، من هنا يمكننا أن نُدرك حجم الكيد الموجود عند أعداء فلسطين والقدس والإسلام، عندما يحاولون أن يصفوا هذا اليوم بأنه يومٌ إيرانٌ، ليصرفوا الأمة عن المعين الصافي، ويستبدلونه بماء آسن مشحون بالعصبية والطائفية وتمزيق الصف الإسلامي، وضياع بوصلة الجهاد عن وجهتها الحقيقية.

لقد أجمعت كل المذاهب الإسلامية، وكل المجامع الفقهية، بأنه عند احتلال أي قطعة أرض إسلامية، يصبح الجهاد في سبيل إعادة هذه الأرض واجبًا شرعيًا، وفرض عين على الأمة بعمومها، ولا يُعرفُ أن أحدًا من الفقهاء قال بغير ذلك، وهذا ما أراد الإمام رضوان الله عليه استبقاءه في ذاكرة الأمة من خلال إعلانه ليوم القدس العالمي.

إن إحياء يوم القدس في الشارع الإنساني والإسلامي، هو بمثابة تعبئة هذا الشارع بالهتاف الرافض للتعايش مع الظلم والظالمين، إنه الترجمة العملية لتلك المقولة الذهبية ” كونوا للمظلومين عوناً، وللظالمين خصمًا”.

نحن بحاجة اليوم إلى هذا اليوم بكل تجلياته، لمواجهة حالتين أساسيتين، الأولى منهما هي حالة الترهل والانبهار التي دفعت البعض إلى الانبطاح والتبعية والتطبيع مع الكيان الظالم، متناسين للتاريخ والدين ولدماء الشهداء، والثانية هي حالة الاستكبار والعلو والطغيان والحصار بكل صوره، التي تمارسه علينا قوى الظلم والاستكبار، لتسلب منا كل عوامل كرامتنا وحريتنا، ثم إلحاقنا بمشاريعهم وثقافتهم وفلسفة حياتهم، نحن بحاجة إلى هذا كله، لأنه الوعي الثوري بأبهى صوره، ولأنه العناد في وجه الطغيان بأسمى معانيه النبيلة.

رحم الله الإمام الخميني رضوان الله عليه، الذي قرأ العدو من خلال حالةٍ قرآنية وعرفانية، وأدام الله على الأمة الإمام الوريث والأمين على النهج السيد علي الخامنئي دام ظله، الذي واصل حمل الأمانة بصدق ووفاء لمنهج آل البيت، حملةُ الحق وشُهداء الحق.

الشيخ الدكتور عبد الله كتمتو
منسق الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى