ماذا بعد سيف القدس ؟
ما الذي يخطط له الفلسطينيون بعد معركة سيف القدس ؟ وكيف سيستثمرون هذه الجولة من المواجهة مع العدوّ ؟
هذا سؤال قد يتبادر إلى ذهن العديد من الناس، من محبّي فلسطين ومن أعدائها أيضًا، فما هو الجواب الذي يملكه الفلسطينيون ؟
يقول الذين يفكرون بمنطق السياسة والمصلحة والذرائعية “البراغماتية”: إنّ المعارك تُخاض من أجل الوصول إلى المفاوضات بأكبر قدر ممكن من أوراق القوة.
وبالتالي يختار السياسيون توقيت المعركة والمفاوضات وفق معطيات حسابية تتعلق بموازين القوى، ولا يُقدمون على المخاطرة.
غير أنَّ هذا المنطق لا ينطبق على الحالة الفلسطينية في رأيي، وإن تورط بعض الفلسطينيين في الوقوع فيه سابقًا، فكانت النتيجة التي نعرفها، أعني اتفاقياتٍ زادت معاناةً أخرى إلى معاناة الفلسطينيين، وجعلت عدوّهم أكثر شراسةً وعدوانية ضدّهم وفي استلاب حقوقهم.
لكن عموم الفلسطينيين يقولون: إنَّ المعارك تُخاض من أجل التحرير ومن أجل الوصول إلى الحقوق، ولا معنى للمفاوضات إذا كانت تعني أن أتنازل عن شيء من حقوقي للاحتلال.
الفلسطيني يختار موقفه وفق معطيات الكرامة، ووفق ما يمليه الواجب والضمير، وهو مستعدٌ في سبيل الحفاظ على كرامة أرضه وأهله أن يخاطر ويضحي بكل شيء؛ وبهذا المنطق أقدم الفلسطينيون على التمسك بمواقعهم وبيوتهم في حي الشيخ جراح رغم كل المخاطر والتهديدات، وبالمنطق نفسه تضامن معهم عموم الفلسطينيين تضامنًا أعاد إلى الروح الفلسطينية الواحدة ألقها وضياءها، وهي الروح التي أشعلت تاليًا هبّة باب العامود، وتوّجت بمعركة “سيف القدس” التي أدخلت قطاع غزة في مواجهة شاملة مع الاحتلال على كامل التراب الوطني الفلسطيني السليب.
وبالتالي فإنّ الجواب على سؤال: (ماذا بعد معركة سيف القدس ؟) لا يكون بالنظر إلى أروقة السياسة الدولية، ولكن بمعرفة ما في قلوب الفلسطينيين.
وما في قلوب الشعب الفلسطيني لمرحلة ما بعد سيف القدس هو نفسه الذي كان في هذه القلوب قبل سيف القدس، ولكن مع فارقٍ كبير، وهو أنّ قلوبهم أصبحت أكثر يقينًا بإمكانية تحقق ما يريدون، وأنّ الكثير من الأوهام التي كانت شائعة قد سقطت، وسقطت معها الجدران المادية والمعنوية التي كانت تسعى لتمزيق وحدة الشعب الفلسطيني في كفاحه لتحقيق أهدافه.
ما في قلوب الشعب الفلسطيني هو تحرير كامل الأرض، دون إمكانية التفريط بأية ذرة تراب؛ واستعادة الحقوق المشروعة كلها دون تنازل عن أي حقّ منها، وفي مقدمتها حقّ العودة؛ ومطالبة المجتمع الدولي بالاعتراف بالجريمة الشنعاء التي ارتكبها عامدًا عندما قام باختلاق هذا الكيان العنصري القاتل على أرض فلسطين؛ وتعويض الفلسطينيين ماديًا ومعنويًا عمّا لحق بهم من مآسٍ لا تُحصى.
ما بعد سيف القدس هو أن التطبيع وهم، وأنّ السلام المزعوم الذي تروّج له نظريات الكفاح الدبلوماسي وهم، وأنّ المشكلة مع الاحتلال هي في أصل وجوده، وليست مشكلة مطالب معيشية ولا حقوق جزئية قابلة لأنصاف الحلول، ولا مشكلة تمييز عنصري، رغم أن الاحتلال هو أسوأ نماذج أنظمة التمييز العنصري فعلًا.
ما بعد سيف القدس أنه لا صوت يعلو فوق صوت وحدة الشعب الفلسطيني، ولا إرادة أمضى من إرادة الكفاح والمقاومة من أجل القدس والأقصى، ومن أجل الجليل والنَّقب، فكل الأرض مقدَّسة، والسّلام مطلوبٌ لها جميعًا، ولا سلام إلا برجوع الغرباء إلى بلادهم التي جاؤوا منها، وإلا بعودة الشعب الفلسطيني إلى أرضه وبلاده، وعندها يمكن الحديث عن العدل والأمان والاطمئنان للجميع.
محمد أديب ياسرجي
أمين سر الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين