“روهن” فلسفة استكبارية
قصّة المسجد الأقصى وما يحدث له اليوم، وما حدث له بالأمس القريب أو البعيد، ليس أمرًا عارضًا أو عابرًا، بل هي أحداث يكمن وراءها عقيدة دينية مُسْتَعمِرة، وطامعة بهذه البقعة وما تحمله من تاريخ ديني عميق، وعراقة إنسانية، وموقعًا جغرافيًا يُمثل الشريان الحقيقي لطريق الحرير.
لن يكون المتطرف الصهيوني “مايكل دينيس روهن” آخر من يقتل ويحرق ويدنّس هذا المكان المقدس، ولو أردنا القيام بإحصائية لكل المجرمين الذين دنسوا المسجد الأقصى وساحاته، وكم كان عدد الذين استشهدوا فيه سواء من المد افعين عنه، أو من القائمين على خدمته، أو ممن كانوا يصلون في حرمه وباحاته، لما وسعتنا المجلدات الضخمة، رغم كل عمليات التزوير والتعتيم والسرقة لكل الوثائق التي تثبت تلك الجرائم بحق المسجد وأهله.
ما يعنينا اليوم ومن خلال الظلال لهذا الحدث الأليم الذي قام به “روهن” هو أن نعرف حقيقة الصراع على المسجد الأقصى خصوصًا، وفلسطين عمومًا، وأنّه صراع وجودي يرى هذا الصهيوني فيه أنه مفروضًا عليه أن يُبيد الآخر، ويطرده من المنطقة برُمّتها، وأن يُجرّده من كل مقومات وجوده وقوته، ليستطيع بعد ذلك من فرض ثقافته ورؤيته وروايته للمنطقة والتاريخ بل وللدين والإله، وأن فشله بهذا المشروع يعني خروجه من المنطقة والتاريخ والدين، وبالتالي انكشاف طبيعته الظلامية والعدمية التي يُغطيها بالديمقراطية المُزيَفة، والإنسانية الكاذبة، وسوف يُسقط معه كل الداعمين والمستثمرين والمُستعمرين الذين يقفون وراء الأستار، ويُحركون الأحداث لخدمة مشاريعهم.
كلما قرأنا الأحداث بعمق وفهم، ثم أخذنا العبرة منها، كلما استطعنا بعد ذلك إدارة هذا الصراع بحكمة واقتدار، ورسمنا ووضعنا قواعد إدارة هذا الصراع، وأسسنا لمقاومة تحمل عقيدة راسخة وقويّة، وتحمل معها سلاحًا ماديًا يستمد قوته من تلك العقيدة الربانية التصور والهدف والحركة.
المطلوب اليوم هو بناء هذا الإنسان الحامل لكل هذه المعاني، ثم العمل على تأسيس محور مقاوم حاضن وموجه وراعي لهذا الإنسان النوعي، والذي سيحمل أعباء المقاومة بعزٍ وشرفٍ دون كللٍ أو خوفٍ أو تراجع أو مساومة، لأنّ المقاومة بالنسبة له ليست فرصة للوصل إلى منصب، أو فرصة عمل لمن لايجد عمل، ولن يكون بندقية مأجورة لأحد، لأنّه يرى في المقاومة والجهاد قيامًا بالتكليف الشرعي، وطاعة لربه الآمر بالجهاد والدفاع عن شرائع السماء، والمُنتصر لك الأنبياء الذين ظُلموا على أيدي أعداء الإنسانية.
هكذا نقرأ الأحداث، ولا نندب أمامها
السلام للأقصى وأهله وللمدافعين عنه
الشيخ الدكتور عبد الله كتمتو
منسّق الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين