مقالات

كف بأس المحتلين غاية القتال لدى المؤمنين

الأستاذ الدكتور الشيخ علاء الدين زعتري

لم يُكتب قتال على المؤمنين بهدف القتال للقتل، أو الاستعلاء في الأرض، أو استعباد الإنسان، ومن باب أولى أنه ليس من أجل الإفساد في الأرض، ولقد جاء البيان القرآني واضحاً، في معرفة طريق الجهاد، والسبيل الواجب اتباعها عند العزم والإرادة، مع تشجيع الله للمجاهدين أن يكونوا من أنصار الحق، ودعاة السلام، واستقرار حياة الناس؛ بلا تنازع، ولا تشتت، ولا تفرق.

نعم؛ لقد شجَّع الله تعالى المجاهدين، ورغَّبهم في الجهاد، فقال: ﴿الذين آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله﴾ أي: إن المؤمنين يقاتلون لهدف سامٍ وغاية نبيلة؛ ألا وهو تحقيق العدالة واستقرار السلام وإعطاء الحق لأصحابه؛ وعندها تتحقق مرضاة الله تبارك تعالى، يكون الله هو وليهم وناصرهم.

وفي المقابل بيَّن القرآن الكريم بأن المعتدين والمجرمين يقاتلون الناس ظلماً وعدواناً واستبداداً وتجبراً، يقول الله تعالى: ﴿والذين كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطاغوت﴾ في سبيل الشيطان، الداعي إِلى القتل والإبادة الجماعية والطغيان.

فيا أولياء الله، أيها المقاومون الأشاوس، قاتلوا أعوان الشيطان؛ فإِنكم ستغلبونهم، وتنتصرون عليهم.

إذ؛ شتان بين مَن يقاتل لإِحقاق الحق، وبين من يقاتل لترسيخ الظلم، فمَن قاتل في سبيل الله، مخلصاً لله في عمله؛ فهو الذي يَغْلب؛ لأن الله وليُّه وناصرُه، ومَن قاتل في سبيل الطاغوت، ولغاية الاستكبار، وبدافع العدوان؛ فهو المخذول المغلوب.

ومن الواضح جداً أن آيات القرآن تقرر مبدأ حظر الحرب ومنع القتال إلا في حالة وحيدة هي حالة الدفاع ضد العدوان، وهذا ثابت من قوله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [البقرة: 190].

كما بيَّن القرآن الكريم حالة الناس في حياتهم، وميلهم نحو حب الدنيا وكراهية الموت، وبين مَن يحب مرضاة الله، مهما كانت الشدائد والصعوبات، فيسعى لتحيق الرضا الرباني.

والزمان يعيد نفسه، فأقوام طلبوا قتال العدو منذ ابتداء أمرهم؛ فوجههم القرآن أن يستعدوا لذلك أولاً؛ بزيادة الإيمان، وعبر أداء الفرائض والواجبات الدينية، حتى يحين الوقت المناسب لصد عدوان المعتدين، وقتال الظالمين؛ فلما حانت ساعة الصفر، ووقت الواقعة، خافوا من المواجهة القتالية، وركنوا إلى الحياة الدنيا، بل وذهب بعضهم إلى موادعة الأعداء، وموالاة المستكبرين (التطبيع).

قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين قِيلَ لَهُمْ كفوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصلاة وَآتُواْ الزكاة فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ القتال إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ الناس كَخَشْيَةِ الله أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً﴾.

ويتكرر المشهد في زماننا؛ إذ إنه لما تنفس المقاومون الصعداء، وأتيحت له فرصة ذهبية لا تتكرر، في السابع من الشهر العاشر من العام المنصرم (7/ 10/ 2023): (طوفان الأقصى) إِذا فريق من أبناء الأمة يخافون القتال؛ بل ورأيت بعضهم يجبنون عن المواجهة أو حتى المؤازة، يفزعون من الموت؛ والأسوأ أن بعضهم كان من المخذلين.

﴿وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا القتال﴾ جزعاً من الموت، ويقول (المطبعون) وما لنا؟ جماعة ابتدأت (الطوفان) فليكن الفناء والموت لهم، فهم لم يستشيرونا، وأخذوا قرارهم لوحدهم، أو على أقل تقدير، قال بعضهم: فليتحمل الفاعل مسؤولية عمله.

ويأتي الجواب الإيماني من خلال نص القرآن: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الموت وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ﴾ وذلك عند انتهاء الأجل، وسيفاجئكم دون إشعار؛ ولو حاولتم واجتهدتم وتحصنتم بالحصون المنيعة؛ فليس من الصواب أن تخشوا القتال مخافة الموت، فهو آت آت آت.

فليأت عليك الأجل بعزة وكرامة، وأنت مرفوع الرأس شامخاً، واحذر أن يمر أجلك بمذلة أو هوان.

فيا أيها الإنسان (والنداء لأحرار العالم، دون تخصيص العرب والمسلمين) إن الإغاثة لشعب غزة، وإن وقف الإبادة الجماعية واجب أخلاقي وفطري إنساني وديني وشرعي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى