مقالات

الإسلام لا يوجب القتال في سبيل الله إلا دفاعاً.. عن الحق والأنفس التي تُظلم وتهان

بقلم الأستاذ الدكتور الشيخ علاء الدين زعتري

‌‌‌الأضرار الفادحة للحروب المعاصرة.. إنّ مما يستدعي المراجعة والنظر هو الحروب التي نشبت وتنشب في هذا العصر بين الحين والآخر، وآخرها في (غزة هاشم) كم حصدت الحروب عبر التاريخ من ملايين، وأزهقت من أرواح، وألقت بأنواع القنابل، واستخدمت من صنوف السلاح؛ أسلحة فتاكة مدمرة لا يقتصر ضررها على قتل من أصابته، ولا ينحسر أثرها في ميدان المعركة، ولكن الأضرار والأمراض على الأحياء كل الأحياء؛ من إنسانٍ وحيوانٍ وشجرٍ وبيئة، بجرثوميتها، وكيميائيتها، ونوويتها، في رمادها وغبارها وإشعاعاتها؛ قتل وحرق وتدمير وخراب لمساحات هائلة طولاً وعرضاً وعمقاً، مما يهلك الحرث والنسل، والله لا يحب الفساد.

أي مبادئ؟! وأي سياسات تخرَّج منها الصانعون والمخترعون والمستعمرون والمستكبرون والمحتلون والغاصبون للحقوق؟!

سجلات حروبٍ مثقلة بالغضب، والانتقام، والظلم، والتعدي، والقسوة، والغلظة، لا تخضع لقانون خاص ولا لقانون دولي عام، ولا يقرها عدل ولا يوافقها إنصاف.

حروب وأسلحة لا تعرف إلا الإبادات الجماعية، قتلاها بالمئات والألوف والملايين، ودمارها يلف المساكن والمزارع والمساجد والمعابد والأسواق والطرقات.

كوارث وحروب هي الأكثر تسميماً في التاريخ، والأشد فتكاً في الحاضر، والمستقبل.

 نتيجة هذه الحروب مظلمٌ، إن استمر الحال على ما هو عليه.

إن الإحصاءات لتئن من الأعداد الهائلة لحصاد الحروب، في قارات الدنيا كلها، إنهم بعشرات الملايين في وحشية مسعورة، وتقنيات مخيفة.

نعم، إن قتال المحتلين لإيقاف همجيتهم لهو فريضة شرعية وضرورة حياتية، قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوا ‌فِي ‌سَبِيلِ ‌اللَّهِ ‌الَّذِينَ ‌يُقَاتِلُونَكُمْ}

لقد أمر الله تعالى بقتال المعتدين، ووجه الخطاب إلى جميع المكلفين القادرين على القتال.

والقتال واجبٌ نصرةً للمظلومين والمضطهدين، وفيه كسر لشوكة المحتلين والمعاندين، ومَن قتل دون نفسه أو ماله أو عِرْضه أو دِينه فهو شهيد.

ومن ضوابط القتال بحسب النصوص القرآنية:

الأول: أن يكون نصرة الحق؛ لا لنزوات شخصية أو انحيازات عنصرية.

الثاني: أن يكون مقصوراً على مَن قاتلنا ويقاتلنا فعلاً، أو عزم على قتالنا يقيناً، أو ظناً قوياً؛ تؤيده قرائن الأحوال الواردة عن العدو.

وقال تعالى: {أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَأُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}.

ومن الواجب الشرعي: إنقاذ المستضعفين والمظلومين الذين يعيشون تحت سلطان الظلم.

قال تعالى: {وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً}.

والمجاهدون حق الجهاد هم على يقين تام بأن نفوسهم ودائع المولى الحق عندهم؛ إن أمر بإمساكها أمسكوها وصونوها، وإن أمر بتسليمها إلى الشهادة فلا يدّخرونها عن أمره.

فالمراد بقتال المعتدين: الجهاد فيهم؛ بما يبيدهم، أو يقهرهم، ويخذلهم، ويضعف قوّتهم.

إن الواجب الشرع هو قتال المقاتلة فحسب، وأنه لا هروب من ملاقاة المعتدين، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَار}.

إن شأن المؤمن أن يتلقى أوامر الله بالامتثال؛ ولكن الأهواء قد تستولي على القلوب، وتعوقها بخصة على امتثال أمر القتال، فأخذ القرآن يهز عواطف المؤمنين حتى تتضافر مع العقل في العزم والثبات في مواقف الدفاع؛ إذ قال تعالى: {كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً} [التوبة: 8]، فذكّرهم فرض قتال المعتدين، وبأنهم إذا تهاونوا بأمر الدفاع عن أوطانهم، بسط العدو عليهم سلطانه، واستبد فيهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى