مقالات

لا ثورةَ.. إلا مع فلسطين

في تاريخ أمَّتنا نماذج عديدة، وفي تاريخ الأمم كلها قديمًا وحديثًا نماذج كثيرة لأناس باعوا ضميرهم وجعلوا أنفسهم تَبَعًا لعدوهم وأسلموا قيادهم له، يسوقهم حيث يحققون له مصالحه وأغراضه، ويزّين لهم الخيانة ويسمّيها بكلمات أخرى، بهدف التخفيف من وَقعها عليهم وعلى الناس.

ولا شكّ في أنَّ الضعف الذي تمرّ به الأمّة، وقوة المحتلّ وسيطرته على مقاليد الأمور، هما من أهم الدوافع التي تحمل بعض الناس على التخلّي ومن ثَمَّ سقوط بعضهم في دَرَك الخيانة، إضافةً إلى الصفات النفسية للخائن، ومستواه الفكري، ومصالحه الشخصية.

وكلُّ هذه العوامل موجودة اليوم في صراع الأمة مع الاحتلال الصهيوني، وهي متوفرةٌ على مستوى الأفراد العاديين كما على مستوى ما يسمّى “النُّخبة” و “القادة” بكل تأكيد، وهنا يلعب العدو لعبته المدروسة ليستميل إليه من هؤلاء بعض الخائنين، الذين يستهلكهم لمدة تطول أو تقصر، ثمّ يرمي بهم عندما يقرر انتهاء الصلاحية المرجوّة منهم، وهذا ما ينطبق على كلِّ من طبّع مع العدوّ الصهيوني قديمًا وحديثًا.

لكنَّ في الأمة وفي أبنائها فريقًا آخرَ هم الفئة الغالبة، وهم المستمسكون بالعروة الوثقى، والمؤمنون بالحقوق وأنَّها لا تسقط بسبب ضعفٍ يصيب الأمة أحياناً، لأنَّ (الضعف العابر لا يغيّر الحقّ الثابت)، كما قال أحد هؤلاء، والواثقون بقدرة الشعوب على الوقوف أمام الغاصب وعلى استخلاص الحقوق منه وتحرير الأرض دون تفريط.

والشعب الفلسطيني المقاوِم هو مثال هؤلاء، والنموذج الأوفى تعبيرًا عنهم في زمننا الحاضر، ولذلك فإن بإمكاننا أن نميّز حقيقة كل إنسان وكل “قائد” من خلال موقفه العمليّ من القضية الفلسطينية، فمَن كان مع فلسطين حقًّا وصدقاً فهو الحرّ وهو العادل وهو الثائر الحقيقي؛ ومن كان مع أعداء فلسطين، ورضي بالاستسلام والتطبيع فليس له من الشرف شيءٌ، وإن ادَّعى بلسانه الحرص على فلسطين.

وعندما نستحضر “الإمام الخميني” رحمه الله والثورةَ الشعبية الإسلامية التي قادها، في ذكراها الثانية والأربعين هذا الشهر، وكيف أدَّت إلى سقوط “الشاه” عميل الصهيونية وربيب أمريكا؛ فإننا نرى فيها مثال الثورة الحقيقية، لأنّها رأت نفسها منذ البداية مع فلسطين، وكان الإمام الخميني – منذ مواقفه المبكرة قبل عشرات السنين من انتصار الثورة الإسلامية – واضحًا في الوقوف الكامل مع فلسطين وقضيتها، وفي ربط مآسي إيران ومشكلاتها بما تفعله الصهيونية وأمريكا في المنطقة كلّها وخصوصًا في فلسطين، وكان طول حياته صريحاً في إعلان أنَّ ما بدأ في إيران لا يمكن أن يكتمل إلا بتحرير فلسطين.

ولذلك كان قرار الإمام بتحويل سفارة الكيان الصهيوني في طهران إلى مقرّ لأول سفارة فلسطينية في التاريخ المعاصر، كما كان قراره بدعم حركات المقاومة دون حدود، وهي المسيرة التي لا تزال مستمرة وتتنامى حتى يومنا هذا.

إنَّ الإنجازات العظيمة التي حققتها الثورة الإسلامية والشعب الإيراني تؤكد أنّ خيار المقاومة الذي ينتهجه الشعب الفلسطيني هو الخيار الواقعي والمنطقي الوحيد.

وأنَّ خيار التطبيع والاستسلام والتفريط بالحقوق هو جنونٌ وخيانةٌ موصوفةٌ ولن يؤدي إلا إلى العار لأصحابه، الذين سيزولون قبل الزوال الأكيد للاحتلال.

محمد أديب ياسرجي
أمين سر الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى