كلّ عام وهي فلسطين
ساعات تفصل العالم عن الدخول في عام جديد، عامٌ هو مجرّد رقم تصاعدي لم يعدْ يعني لكثير من الناس ما كان يعنيه سابقاً، يوم كان الناس يحلمون ويستبشرون ويأملون بأيام أكثر أماناً وسلاماً.
لقد أمر الله سبحانه وتعالى بالعدل والإحسان، وإيتاء ذي القربى الذي يشمل كل تواصل حسَن ما بين الإنسان ومَن حوله، وكل نفع يقدّمه المرء لمن يلوذ به ويقترب منه، مهما كان نوع القربى؛ ونهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، لأنها تقطع أواصر الإنسانية، وتسبب الكوارث والمآسي والأحزان.
ولئن مرّت البشرية بالكثير من الأزمات، وشهدت العديد والعديد من الحروب التي أودت بحياة الكثير من الأبرياء، لكن كل هذه المآسي في كفة، وفي الكفة الأخرى نجد المآسي التي خلّفها الاستعمار الغربي في كل أرجاء العالم، وذلك على مدى خمسة قرون أو أكثر، منذ الاستعمار الإسباني والبرتغالي، ثم الهولندي والبلجيكي وغيرها، وانتهاءًا بالفرنسي والبريطاني، اللذين ساهما في تصنيع النظام العالمي الذي قادته أمريكا عبر الأمم المتحدة لاحقاً، والتي كانت أداة لتشريع السيطرة الإمبريالية على الشعوب، وممارسة الاستنزاف والاستعباد بطرق جديدة.
هذا النظام العالمي بنُسخه المختلفة، القديمة والجديدة، لعب الدور الأكثر خطورة – في تاريخ الإنسانية – في نشر الفحشاء والمنكر، وفي ممارسة البغي والعدوان، وفي خلق بؤر التوتر والنزاع بين الناس؛ وهذا ما نجد مصداقه في شرق الأرض وفي غربها، وفي إفريقيا المظلومة والمكلومة، وفي فلسطين وبلاد الشام، التي تشكل محطة لقاء القارات الثلاث أوربا وآسيا وإفريقية، ومكان ميلاد الحضارة الإنسانية بكل أبعادها المدنية والعلمية والفكرية والأدبية.
لقد قام هذا النظام العالمي بفرض الكيان الصهيوني بقوته العسكرية، داعماً إياها بالقرارات التي أصدرها عبر الأمم المتحدة، ولا زال حتى يومنا هذا يوفر أسباب الاستمرار والبقاء لهذا الكيان الغاصب، مستهيناً… بل ومتجاهلاً للتكلفة العالية التي تدفعها الإنسانية كلّها ثمناً لبقاء هذا الكيان، وخاصة ما يدفعه الشعب الفلسطيني من دماء وأرواح، وما يتكبّده أبناؤه في السجون والمعتقلات والمدن المحاصرَة.
وعندما نقول إنّ الإنسانية كلها تدفع الثمن فليس هذا مبالغة، لأن المشروع الصهيوني خطر على البشرية كلها، باعتباره أداة الاستعمار العالمي وقاعدته العسكرية الكبرى، وهذه الأداة تمدّ أذرعها الخبيثة في كل مكان، وفي كل أزمة عالمية، وتبيع أسلحتها المدمرة والتكنولوجيا الخبيثة حيثما تجد في ذلك مصلحةً للقوى الشيطانية التي تسعى للسيطرة على العالم.
ولذلك نذكَر دوماً بأنَّ أحرار العالم الذي يناوئون الصهيونية والاستعمار والعنصرية؛ وفي مقدمتهم الفلسطينيون الذين يواجهون المشروع الصهيوني بشكل مباشر، هؤلاء يدافعون عن العدل والسلام والخير وعن المصالح الحقيقية للبشرية كلها، ولا يدافعون عن أنفسهم فحسب.
وعندما يطالعنا العام الجديد، كعادته في سنة، بالمزيد من العنف والإرهاب الصهيوني والقتل والدمار والقوانين العجيبة التي لا تراعي أبسط حقوق الإنسان، وتطال بشرورها الأحياء والأموات؛ فإننا نزداد يقيناً بوجوب وحدة وتضامن الأحرار والشرفاء في العالم، وتشكيل جبهة متماسكة في مواجهة الظلم والاضطهاد والتمييز الذي يمثل الكيان الصهيوني أسوأ نماذجه عبر التاريخ.
من حق البشرية أن تكون في أمن وسلام، ومن حق الجميع وخاصة الأطفال أن يعيشوا حياة تتوفر فيها أدنى الاحتياجات المعاشية، على الأقل، ونحن واثقون بأن خيرات الأرض تكفي لأكثر من ذلك، ولكن المشكلة هي في طغاة السياسة والمال، وهم فريق واحد، الذين يفرضون الفقر والضنك والأمراض على البشرية، في سبيل تحصيل مقدار أكبر من الأرباح، واحتكار ثروات العالم لأنفسهم.
من حق البشرية ألا يكون فيها استعمار يحتل الأرض ويقتل الإنسان، ولذلك كان الدفاع عن فلسطين دفاعاً عن الحقّ العامّ للإنسانية كلّها، وكان دفاع الفلسطينيين عن فلسطين، لكي تبقى واسمها فلسطين؛ دفاعاً عن الإنسانية كلّها.
كل عام وفلسطين هي فلسطين.
محمد أديب ياسرجي
أمين سر الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين