طوفان الأقصى.. دلالاتٌ وعِبَر

“لا تُصالح على الدم، حتى بدم، لا تُصالح ولو قيل: رأسٌ برأسٍ، أكلُّ الرؤوس سواء؟! أَقلبُ الغريب كقلبِ أخيك؟ ! أَعَيْناهُ عَيْنا أخيك؟ ! وهل تتساوى يدٌ سيفُها كان لك بيدٍ سيفُها أثكلك؟!!”
قالوا: “إذا انحدرتَ في مستنقع التنازلات في حياتك الدينية أو الدنيوية، فلا تتهجَّم على الثابتين بأنهم متشدِّدون، بل أبصر موضعَ قدميك لتعرف أنك تخوض في الوحل؛ فالحرام يبقى حرامًا حتى ولو فعله الجميع. دعك منهم، فسوف تُحاسَب وحدك يوم القيامة. قال تعالى: {وكلهم آتيه يوم القيامة فردًا}. فاستقِم كما أُمرتَ، لا كما رغبتَ.”
لم يكن الحدث يوم السابع من تشرين حدثًا عاديًّا، ولن يكون التاريخ بعده كما كان قبله، ولم يشهد الكيان عبر تاريخه في احتلال فلسطين يومًا مثله سابقًا، ولكنه سيشهد – بإذن الله تعالى- في المستقبل القريب أيامًا مثله وزيادة.
لم يصحُ قادةُ الكيان من ذلك الكابوس الذي غيّر كلَّ قواعد الاشتباك، وبيَّن للجميع، في الداخل والخارج، أن الكيان ليس كما كانوا يظنون ويعتقدون.
غيّر طوفان الأقصى وجهَ العالم كلَّه، كما غيّر طوفان نوح العالم كلَّه؛ فما بعد الطوفان ليس كما قبله، في كل تجلّياته.
نسف الطوفانُ السرديّةَ الصهيونية التي أُنفقت عليها خلال خمسٍ وسبعين سنةً ونيف، الملايينُ من الدولارات، وسُخِّرت لها آلافُ الشخصيات التي كانت ترسمُ الشخصيةَ الصهيونية على أنها بريئةٌ مظلومةٌ تاريخيًّا، مكروهةٌ من العالم، وأنّ لها الحقَّ في العيش الكريم والدفاع عن نفسها وحقّها في الحياة.
خلع الطوفانُ ذلك الوجهَ المزيف، وأظهر وجهَ الصهاينة الحقيقي: وجهَ القاتل والمخادع والمتآمر على كل القيم الشريفة التي تواضعت عليها البشرية.
أعاد الطوفانُ إلى الذاكرة الإنسانية أنَّ هؤلاء، وعلى مرّ تاريخهم، كانوا كارهين للحق ودُعاتِه، داعمين للباطل وأدواتِه، مفسدين في المجتمعات، مستغلّين لكل بلدٍ يحتضنهم، مثيري الفتن داخله؛ إنهم حقًّا “المفسدون في الأرض”.
أبطل الطوفان تلك المقولات التي حاولوا زرعها في العقل الجمعي العالمي، بأنهم أقوياء لا يُهزمون، وأنهم اليدُ التي تُعين كلَّ مستعمرٍ على تنفيذ مشاريعه، ككيانٍ وظيفيٍّ لكل مستكبر، وأنّ جيشهم لا يُقهر وسلاحهم لا يُطال.
تَبخّرت كلُّ تلك المقولات في الساعات الأولى من الطوفان، ثم بعد مرور عامين على الجهاد دون أن يتمكّنوا من إنهاء المقاومة.
لقد أعاد الطوفانُ ضبط أفكارنا ومواقفنا، فأدركنا أنَّ هذا الكيانَ وَهْمٌ صنعه لنا الخونةُ والضعفاءُ والجبناءُ وكلُّ أصحاب المصالح السياسية المنتفعين من المال والمكانة.
إنه بحقٍّ “نمرٌ من ورق” عندما نقرّر استرجاع الأرض والكرامة.
أظهر الطوفان مدى تقصيرنا في مخاطبة الشعوب الغربية التي ضلّلها إعلامٌ غربيٌّ متآمرٌ مع الرواية الصهيونية، وأيقظنا إلى واجبنا في إيصال صوت الحق إلى تلك الشعوب.
فكل من شاهد هذا التعاطف الشعبي أدرك أننا نملك قضيةً عادلة، لكنها بحاجة إلى محامين ناجحين لا ممثلين فاشلين.
وأخيرًا… قدّم لنا طوفان الأقصى درسًا عظيمًا: لا تُراهنوا على المؤسسات الدولية التي أنشأها الاستعمار بعد الحرب العالمية الثانية لتكون العصا الخفيّة التي يُؤدِّب بها الشعوب، بل راهنوا على أهلكم ومجتمعاتكم وجهادكم، وعلى الشرفاء من أحرار العالم؛ فالكل ينتظر خروجكم من الصمت، لأنه يُريد استرجاع كرامته المسلوبة. وهناك الكثير من الدروس والعِبَر، لعلنا نتناولها في قابل الأيام.
منسق الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين