مقالات

غزة امتحان الإنسانية

بعد مرور ما يزيد على التسعة أشهر على طوفان الأقصى، ومُشاهدة آلة الإجرام الصهيونية التي تزداد كل يوم صلفاً وكبرياءً وإيغالاً بدماء أهل غزة الذين أثبتوا للعالم كله، أخلاق المجاهدين مع عدوهم الشرس، وأثبتوا هذا الصمود الأسطوري، وأعلنوا للعالم كله أنهم دُعاة حرية وكرامة لهم ولكل الإنسانية، وأنهم ليسوا غُزاة بل طالبوا حق انتُزع منهم ويريدون استرداده ولا يُريدون غير ذلك .

أود بعد كل ذلك أن أتوجه، لا إلى الأمم المتحدة، ولا إلى منظمات حقوق الإنسان، ولا إلى القانون الدولي الإنساني، ولا إلى حق الطفولة والمرأة والمُسن، ولا إلى حق حماية بيوت ودور العبادة وعدم المساس بها، ولا إلى واجب الحفاظ على المشافي من أجل القيام بواجبها الإنساني، ولا إلى أيٍ من ذلك كله، لأن معظم هذه الهيئات فقدت مصداقيتها عند التطبيق العملي، وباتت تكيل بسياسة المكيالين، وتنظر للعالم نظر الأعور الذي لا يرى العالم إلا بعين أصابها العور، فباتت بحاجة إلى مبضع جراح ماهر يُعيد لها صحة بصرها، لا أريد ذلك كله، بل أريد أن أتوجه إلى كل أب وكل زوج وكل زعيم وكل وزير وكل صاحب قرار فأقول له: “لوكان هذا الطفل الذي مُزقت أحشاؤه، وبُترت أطرافه، وفُقدت آثاره، هو ابنك ما هو موقفك الذي لن تتنازل عنه مهما كان ثمنه” ولو كان هذا الرجل العجوز الذي لا  يكاد يحمل ذاته، أخذه شخص فعذبه وتفنن في تعذيبه ثم قتله بدمٍ بارد، ثم مثّل بجثته، هو والدك أو جدك، ما هو الموقف الذي ستتخذه دون أي تردد، ودون أي انتظار لأي شخص يُدخلك في كواليس الهدوء المُصطنع، “ولو كانت هذه المرأة الموجودة على قارعة الطريق بعد أن انفصل رأسها عن جسدها، وتقطع جسدها إلى أجزاء مُتناثرة، لو كانت والدتك أو زوجتك أو ابنتك، أو أختك، أو أي إنسانة لك بها صلة قربى أو إنسانية، ماهو الأمر الذي يدفعك إلى الثأر لها دون أي تفكير برفع قضيتك إلى أي جهة بانتظار إنصافك، وهناك الكثير من الأسئلة المشروعة بهذا الصدد، أقول لكل هؤلاء، هل كان الصمت هو قراركم؟ وهل كان التسويف باتخاذ القرار السليم هو موقفكم؟ وهل ستسيطر عليكم عوامل الضعف والهوان أم سيكون هناك أمر آخر؟ هل سوف يعود كلٌ منكم إلى بيته ليأكل ويشرب ويعيش حياته الطبيعية، وينتظر المرافعات والجلسات واستماع الشهود، وتأجيل الأحكام بحق المجرمين أمام شاشات التلفزة أم سيكون الموقف مُغايراً؟

 أظن ومن خلال معرفتي بحقيقة الإنسان عموماً، وبحقيقة العربي والمسلم على وجه الخصوص، أن الأمر سيتخذ مساراً آخر، سيكون الموقف الطبيعي للجميع هو نصرة كل هؤلاء المظلومين، من خلال حراك يفرض منطقاً نوعياً في الزمان والمكان والأداء، وسيكسر كل شخص حر روتين الدول المارقة والمُستبدة والمستكبرة، ليفرض معادلة الإنسانية والكرامة والحرية، معادلة الانتصار للابن والابنة والوالد والزوجة والأقارب، وللإنسان مهما كانت صلته به، لأن معادلة الإنسانية هي المعادلة التي يُقاس بها الإنسان الحر والكريم والشجاع والغيور، ولا مكان فيها للجبان والخانع والديوث، ولا مكان فيها لتجار الحروب والأزمات والمتسلقين على آلام البشرية.

منسّق الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين
الشيخ الدكتور عبد الله كتمتو

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى