مؤسس “الجهاد” فتحي الشقاقي.. عن مسيرة الشهيد المعلّم في ذكراه
“إن هذا الوطن الصغير العزيز المقدس فلسطين لا يمكن، في أي حال من الأحوال، أن يتسع لأكثر من شعب واحد، هو شعب فلسطين”. هذه الكلمات، التي نقشها الشهيد فتحي الشقاقي في وجدان الأمة، لخّصت توجّه مؤسّس حركة الجهاد الإسلامي.
كان الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي رمزًا وقائدًا، شكّل، في شخصيته القيادية والعلمية، محورًا مهمًا، وشخصية تجديدية استثنائية، سواء في الساحة الفلسطينية، أو على صعيد الحركة الإسلامية. وكان أحد أبرز رموز التيار المستنير داخل الحركة الإسلامية، بسبب ما يتمتع به من ثقافة موسوعية، واستيعاب عقلاني لمشكلات الحركات الإسلامية وقضاياها، في العالمين العربي والإسلامي.
طبيبٌ بين القدس وقطاع غزّة
فتحي إبراهيم عبد العزيز الشقاقي، من مواليد مخيم رفح عام 1951؛ أي أنه وُلِدَ بعد ثلاثة أعوام من احتلال الكيان الصهيوني لفلسطين (عام 1948)، بحيث تشردت عائلته من قرية زرنوقة بالقرب من يافا، وهُجّرت إلى قطاع غزة، لتستقر في مدينة رفح.
نشأ الشقاقي وسط عائلة متدينة فقيرة، وفقدَ أمه وهو في الخامسة عشرة من عمره. كان أكبر إخوته، ودرس في جامعة “بيرزيت” في الضفة الغربية، وتخرج من دائرة الرياضيات، وعمل لاحقاً في سلك التدريس في القدس المحتلة، في المدرسة النظامية، ثم عاد ودرس الطب في جامعة “الزقازيق” في مصر، وعاد إلى الأراضي المحتلة ليعمل طبيباً في مستشفى المطلع في القدس المحتلة. وعمل، بعد ذلك، طبيبًا في قطاع غزة.
تأسيس الجهاد الإسلامي
لم يكن الشقاقي بعيدًا عن السياسة منذ صغره. عام 1966، أي حينما كان في الخامسة عشرة من عمره، كان يميل إلى الفكر الناصري، ورفع شعار المقاومة ضد المحتل، ونادى بالوحدة الوطنية، ليبدأ بعد ذلك مسيرة، تجمع بين المقاومة والفكر الإسلامي الجهادي.
فالشقاقي، الذي لم يبخل على فلسطين بكليته، مشاعرَ وفكرًا وروحًا وجسدًا، أسَّس حركة الجهاد الإسلامي، أواخر سبعينيات القرن الماضي، مع عدد من رفاقه من طلبة الطب والهندسة والسياسة والعلوم، في أثناء وجودهم في مصر للدراسة الجامعية، وهم، بالإضافة إليه: رمضان شلح، عبد الله الشامي والدكتور عبد العزيز عودة، واضعين في ذلك اللَّبنة الأولى لتنظيم إسلامي جهادي وطني فلسطيني.
أراد الشقاقي، عبر تأسيسه حركه الجهاد الإسلامي، أن يكون حلقة من حلقات الكفاح الوطني الفلسطيني المسلح لعبد القادر الجزائري، والأفغاني، وعمر المختار، وعز الدين القسّام، الذي عشقه الشقاقي، حتى اتخذ من “عز الدين الفارس” اسمًا حركيًّا له.
“عندما بدأنا هذا الطريق كنا نعرف أن تكاليفه صعبة جدًا، لكن هذا هو واجبنا وخيارنا المقدس”
حين عودته إلى غزة في عام 1981، بدأ يمارس هو وإخوانه التبشير بولادة حركة الجهاد الإسلامي، التي أخذت على عاتقها نقل مركز المقاومة الفلسطينية من الخارج إلى الداخل. وتزامن ذلك مع خروج منظمة التحرير من لبنان، بعد الاجتياح الإسرائيلي لبيروت، عام 1982، وتوزّع مقاتليها في الدول العربية في الشتات.
بقيت الشخصية الأبرز في تاريخ حركة الجهاد الإسلامي، إلى يومنا هذا، هي فتحي الشقاقي؛ مؤسسها الذي وضع مبادئ الحركة، ورسم وجهتها الرئيسة، معتبرًا أنّ الحركات الإسلامية لا تعطي فلسطين أهمية كافية في سياق أهدافها.
قاد الشهيد الشقاقي حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، وسُجن في غزة عام 1983 لمدة 11 شهرًا، ثم أُعيد اعتقاله مرة أخرى عام 1986، وحُكم عليه 4 أعوام بالسجن الفعلي ثم 5 أعوام مع وقف التنفيذ “بسبب ارتباطه بأنشطة عسكرية، والتحريض ضد الاحتلال الصهيوني، ونقل أسلحة إلى القطاع”.
وقبل انقضاء فترة سَجنه، قامت السلطات العسكرية الإسرائيلية بإبعاده من السجن مباشرةً إلى خارج فلسطين، بتاريخ 11 آب/أغسطس 1988، عقب اندلاع الانتفاضة الفلسطينية. وتنقّل بعدها بين العواصم العربية والإسلامية، من أجل مواصلة جهاده ضد الاحتلال الصهيوني.
مسيرة جهادية لم تنتهِ في مالطا
“الشهيد المعلم”، أو “شهيد الأمة”، كما يطلق عليه، اغتالته أجهزة الموساد في مالطا، وهو في طريق عودته من ليبيا إلى دمشق.
ففي 26 تشرين الأول/أكتوبر 1995، وصل الشقاقي إلى ليبيا حاملًا جواز سفر ليبيًا باسم “إبراهيم الشاويش”، من أجل مناقشة أوضاع اللاجئين الفلسطينيين عند الحدود الليبية المصرية، مع الرئيس القذافي.
ومن ليبيا رحل على متن سفينة إلى مالطا، باعتبارها محطة اضطرارية للسفر إلى دمشق (نظرًا إلى الحصار الجوي المفروض على ليبيا). وفي هذه المدينة اغتيل الشقاقي وهو عائد إلى فندقه، بعد أن أطلق عليه أحد عناصر “الموساد” رصاصتين في رأسه من جهة اليمين،ـ لتخترقا الجانب الأيسر منه، وتابع القاتل إطلاق 3 رصاصات أخرى في مؤخرة رأسه.
بعد اتصالات مضنية، وصل جثمان الشقاقي إلى ليبيا، طرابلس، ليعبر الحدود العربية، ويستقر في دمشق، ويدفن جثمانه بعد 6 أيام من اغتياله في مقبرة الشهداء في مخيم اليرموك في دمشق، بحضور أكثر من 3 ملايين مشيّع، بينهم سوريون وحشد كبير من الشعب الفلسطيني والحركات الإسلامية، في كل فصائلها واتجاهاتها، في كل الوطن العربي، وسط الهتافات التي تتوعد بالانتقام، والزغاريد التي تبارك الاستشهاد.
وحينها توعدت حركة الجهاد الإسلامي، بالانتقام للأب الروحي الشهيد فتحي الشقاقي، فنفَّذت عمليتين استشهاديتين قام بهما تلاميذ الشقاقي، لا تقل خسائر إحداهما عن 150 مستوطنًا بين قتيل وجريح.
بعد أكثر من ربع قرن على استشهاد الشقاقي، ما زال مؤسس حركة الجهاد الإسلامي حاضرًا عبر أبنائها الذين يقدمون نموذجًا فريدًا في المقاومة. كيف لا، وهذه الحركة الجهادية، التي بُنيت على إيمان ووعي وفكر، رسمت عبر “سرايا القدس” معلمًا من معالم البطولة في مواجهتها الاحتلال الإسرائيلي مؤخرًا في معركة “وحدة الساحات”، وتنوعت ميادين مقاومتها، بين تنفيذ العمليات الاستشهادية، وخلق معادلات توازن الردع، وفي جانب مهم جدًا عملية هروب الأسرى من سجن جلبوع، “نفق الحرية”، والتي ينتمي 5 من أفرادها إلى حركة “الجهاد”.
المصدر: موقع قناة الميادين