يوم القدس العالمي: يا مستضعفي العالم اتحدوا !
نعم إنَّه يومٌ يعبّر عن المواجهة المستمرة بين فريق المستضعَفين الذي نهض لينفض عنه القيود، وفريق المستكبرين الذي يسعى كلّ يوم ليكبّل الناس بأغلاله، ويسوقهم إلى تحقيق مصالحه، ويستهلك أرواحهم وأجسادهم وثروات بلادهم وكرامتهم في خدمة مآربه !
ومَن كمدينة القدس الشريف تصلح لأن تكون رمزًا لكفاح المستضعفين، وأي هدفٍ لشرفاء العالم يجمعهم ويوحّدهم مثل القدس الشريف !
وعندما نتحدث عن يوم القدس العالمي كيوم للدفاع عن المظلومين، ويوم للانتصار للقضايا العادلة، ويوم لمواجهة الطغيان، ويوم للتأكيد على استمرار الكفاح المشترك من أجل الحرية والكرامة الإنسانية، عندها يغدوا نداء (يا مستضعفي العالم اتّحدوا) نداءً طبيعياً ومعبّراً عن الأهداف المشتركة.
وهذا النداء (يا مستضعفي العالم اتّحدوا) نداءٌ ذو اتجاهين يؤديان إلى النتيجة نفسها:
الاتجاه الأول يقول: (يا مستضعفي العالم اتّحدوا… وكونوا معنا)، من أجل قضايانا ومن أجل رفع الظلم الواقع علينا.
والاتجاه الثاني يقول: (يا مستضعفي العالم اتّحدوا.. نحن معكم)، من أجل قضاياكم ولكي تصلوا إلى العدالة والإنصاف والكرامة التي تسعون إليها.
وهذا الاتجاه الثاني هو الأصل والأساس، وهو الذي يعطي المشروعية للاتجاه الأول، فمَنْ لم يبادر إلى رفع الظلم عن الآخرين؛ لا يحقُّ له أن يطالب الآخرين بالتضامن لرفع الظلم عنه، والإنسان المؤمن والحرّ الشريف لا يهنأ ولا يسكت عندما يرى ظلمًا يقع على إنسان، وهو يقدر على المساعدة ولو بكلمة، ثم لا يبادر إلى ذلك.
وهذا الاتجاه الثاني (يا مستضعفي العالم اتّحدوا.. نحن معكم) يجدُ مستندًا عظيمًا له في قول الله تعالى: (وما لكم لا تُقاتلون في سبيل الله والمستضعفينَ منَ الرجال والنساء والولدان)، حيث يفرض الله القتالَ من أجل الرجال والنساء والأطفال، وعلّة وجوب الوقوف معهم والقتال في سبيلهم هي كونهم من المستضعفين، بغضّ النظر عن أديانهم وأعراقهم وبلدانهم.
وإذا كان يوم وحدة المستضعفين في هذا العصر هو (يوم القدس العالمي) فلأنّ القدس تعبّر عن أخطر قضايا العصر، وعن الجرح الملتهب والوريد النازف الذي يهدد مستقبل البشرية كلها، وليس مستقبل الفلسطينيين وحدهم.
وكلمتنا (يا مستضعفي العالم اتّحدوا) ليست طُعمًا لاستدراج الناس ليكونوا معنا، وليست استجداءً من موقع الضعف؛ ولكنها مسؤولية كبيرة يلتزم بها الفلسطينيون، ويلتزم بها أحرار هذه الأمة وهذه الأرض من مسلمين ومسيحيين وغيرهم، ويعاهدون من خلالها كل مظلوم ومُستضعَف أن يكونوا إلى جانبه، وأن يدافعوا عنه دفاعَهم عن أنفسهم، ودفاعهم عن القدس الشريف.
وعندما ستتحرر القدس الشريف بعون الله تعالى، وبفضل تضحيات أهلها وأنصارها والمقاومين لأجلها من كل جنس ولون؛ عندها سيكون ليوم وحدة المستضعفين يومٌ عالميٌ آخر، باسم مدينة أخرى إن وجدت، لتكون رمزاً لكفاح الأحرار وتضامنهم في سبيل الكرامة والعدالة لكل الإنسانية.
وفي ضوء هذا المعنى وهذه الرسالة التي يحملها (يوم القدس العالمي) ندرك السبب الذي لأجله تسعى الصهيونية والإمبريالية العالمية لصرف الناس عن (يوم القدس العالمي) وعن كل دعوة مشابهة له في مضمونها ورسالتها الوحدوية.
كما ندرك خطورة الدعوات المشبوهة التي تحاول تشويه مضامين (يوم القدس العالمي) بالنعرات الطائفية والمذهبية.
(يوم القدس العالمي) فرصةٌ من أجل التعاضد وتفعيل التضامن بين عاشقي الحرية والمتطلعين إلى العدالة.
و (يوم القدس العالمي) فرصة لتصحيح الخلل الذي يحصل أحيانًا في فهم الكفاح من أجل فلسطين، ولوضعه في مساره الصحيح ضمن كفاح الأنبياء والمصلحين من أجل سعادة الإنسانية والعدالة لكل الأرض.
محمد أديب ياسرجي
أمين سر الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين