في يوم القدس العالمي معًا نراها أقرب
إلى أكثر من ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد يرجع تاريخ مدينة القدس، إحدى أقدم مدن العالم، استوطنتها شعوبٌ متعددة، فالكنعانيون الذين هاجروا إليها في الألف الثالثة قبل الميلاد أسموها “أورساليم” وتعني مدينة السلام أو مدينة الإله “ساليم”، والتي تُنطق بالعبرية “يروش وشليم” ومعناها ملك السلام، وسماها إبراهيم الخليل “أور” نسبةً إلى المدينة الكلدانية جنوب العراق التي هاجر منها لفلسطين عام 1921 ق.م[1].
سكنت قبيلة اليبوسيين؛ أحد البطون الكنعانية العربية المدينة حوالي عام 2500 ق.م فأطلقوا على القدس اسم “يبوس”، ثم توالى العصر الفرعوني واليهودي والبابلي والفارسي، ثم عُرفت في العصر اليوناني باسم “إيلياء” ومعناه بيت الله.
القدس مهد السيد المسيح ومأوى كنيسة القيامة، وغاية رحلة الإسراء ومنطلق المعراج النبوي لدى المسلمين وقبلة صلاتهم الأولى.
كان موقع فلسطين الجغرافي، وموقع القدس فيها، من أهمّ الأسباب لنشوب الصراعات التاريخية بشأنها، فمنذ بداية الصراع مع الحركة الصهيونية والاستعمار الغربي الداعم لها، كانت القدس رمزًا ومحورًا لهذا الصراع، احتلّ الصهاينة القسم الغربي من المدينة المقدسة غداة حرب 1948 وسيطروا على باقي أجزائها في عدوان 1967، كما ورفضوا كل قرار دولي يتعلق بها ولا ينسجم مع أطماعهم.
اليوم ومع هبّة المقدسيين في باب العامود في الشهر الفضيل، واستعار الحركة الاستيطانية الهادفة لتهجير الفلسطينيين من بيوتهم، وانتزاع العقارات الفلسطينية المحيطة بالمسجد الأقصى بالاحتيال والصفقات المشبوهة، وشرعنة التطبيع مع الاحتلال الصهيوني، يبرز جليًا دور يوم القدس العالمي، اليوم الذي انطلقت فكرته في شهر رمضان المبارك، خلال آب 1979 الواقع في رمضان 1399هـ ، من أجل غاياتٍ عدّة، أبرزها:
أولًا: إبراز موقع القدس باعتبارها محور الصراع مع الصهيونية:
الأديان السماوية الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام أجمعت على قدسية القدس كمخزون ديني تاريخي، اليوم، يحاول بعض الأشخاص تفريغ قضية القدس من مضمونها فيظنون أن المعركة التي تدور اليوم حول المسجد الأقصى هي فقط نتيجة مباشرة لاحتكاك بين مواطن مقدسي فلسطيني مدافع عن أرضه و مقدّساته، وآخر مستوطن صهيوني جاء من أوروبا مهاجرًا إلى أرض السمن والعسل. ولكنّ المعركة أبعد من ذلك، هي معركة بين تاريخين وهويتين مختلفتين، الأولى لأصحاب الأرض الأصليين والثانية للدخلاء الذين أسسوا حركة صهيونية على أساس ديني تعصبي لا إنساني، لذلك نقول: “أساس وجود الصهيوني المحتل على أرض القدس وفلسطين؛ هو محور الصراع” ويوم القدس يؤكد رفض الاحتلال من جذوره.
ثانيًا: إظهار البُعد العالمي لقضية فلسطين:
مع توالي أحداث ما يسمى بالربيع العربي عام 2010 غابت فلسطين عن الاهتمام والدعم الشعبي العربي، بسبب اهتمام كل بلد بإعادة ترتيب البيت الداخلي.
لكن مع ذلك تبقى فلسطين قضيّة إنسانيّة؛ لا مجرد قضيّة عربيّة أو مسيحية أو إسلاميّة، لذلك يوم القدس العالمي جاء ليؤكد على أحقية القضية الفلسطينية، والأهم: على إنسانيتها، فالإنسان المظلوم الذي يُقتل أو الطفل الذي يُهّجر أو المرأة التي تُسحل، هي مشاهد تثير مشاعر كلّ إنسان حر حول العالم، وهي مشاهد تتكرر يومياً وتمارس على شعب بأكمله منذ سنوات طويلة.
ثالثًا: بيان التلازم بين قضية فلسطين والوحدة الإسلامية:
بشّر يوم القدس العالمي بحركة إسلامية جامعة، تهدف لتصحيح مسار القضية الفلسطينية عامةً على الصعيد العالمي لا الإقليمي، حيث يعتبر يوم القدس العالمي فرصةً مهمة لتعزيز الوحدة داخل الأمة الإسلامية وبالتالي القضاء على أخطر نقاط القوة التي يسعى العدو لاستغلالها، وهي نشر التفرقة والخلاف.
كما أن هذا اليوم يُعيد إحياء قلوب المسلمين ويشحنهم بالوحدة والتعاطف فيما يخص القضايا المقدسة للأمة ويكسر بالتالي عصبية القوميات والمذهبيات.
رابعًا: تأكيد التمسك بحقوق الشعب الفلسطيني كافةً:
حقوق الشعب الفلسطيني واضحة جدًا ولا غبار عليها وهي إنهاء كل الاحتلال الصهيوني الذي بدأ فعليًا مع إعلان وعد بلفور 1917، وأحداث النكبة عام 1948، مرورًا بعدوان 1967، وهو مستمر حتى اليوم بل ويتجذر من خلال سياسات عدوانية منها: الاستيطان والقتل والعدوان والأسر والفصل العنصري وتهديد المقدسات الإسلامية والمسيحية وحصار قطاع غزّة وغيرها الكثير.
أما الحق الثاني هو حق عودة كل الفلسطينيين إلى أرضهم وممتلكاتهم وهو حق لا يسقط بالتقادم ولا تملك أي جهة في العالم إسقاطه أو شطبه، فالأمم المتحدة مثلاً تلتزم بتطبيق قراراتها المتعلقة بحق اللاجئين في العودة كالقرار 194 الذي ينص على العودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين.
استُهدف هذا الحق بشكل جليّ خلال الإعلان عما يسمى “صفقة القرن”، والتي هدفت إلى توطين الفلسطينيين في الدول التي هُجروا إليها كلبنان والأردن وسورية ومصر، وتأمين فرص عمل لهم.. ناهيك عن فلسطينيّي الخارج في كل من أوروبا وأمريكا.
الحق الثالث هو تقرير المصير بعيداً عن أي تدخلات خارجية.
مما تقدم نجد أن القدس كانت وماوزالت نقطة ارتكاز ومركزاً للصراع، لذلك سيبقى يوم القدس العالمي يوم الوحدة والاتفاق في مواجهة المستكبرين، وذلك من أجلإنسانية آمنة وعادلة.
رضا زيدان
إعلامي وكاتب سوري
[1] ميخائيل مكسِى إسكندر، القدس عبر التاريخ، صفحة 5.