الاحتلال والطغيان بعد ما يزيد على عام من معركة الطوفان
بقلم الأستاذ الدكتور الشيخ علاء الدين زعتري
تطاول العام الماضي زماناً، وهو يمر مثقلاً بالهموم الكبيرة، والحرب المدمرة، والإبادة الجماعية على (غزة) الشموخ والإباء، وتوسعت حرب الكيان لتستهدف الجوار الذي وقف منادياً بأن (أوقفوا الحرب والإبادة).
ولنا مع هذه السنة الماضية من عمر التاريخ؛ بما فيه من آلام كبيرة، وآمال عريضة وقفات، أهمها:
وقفة مع الكيان الصهيوني المحتل، الطاغي والمتجبر، الذي لا يقاتل إلا في قرى محصنة، ومن وراء جُدُر، وخلف المتاريس، وبحماية الآلات، ويقوم بقصف المدن، وإرسال الصواريخ بعيدة المدى؛ خشية مواجهة الأبطال (الذين يراهم أشباحاً؛ لا يدري من أين يظهرون، ولا يتوقع من أين يقاومون).
وفي المجمل، وبلغة العين المادية والحقيقة الواقعية:
يمكن اعتبار السنة الماضية وصمة عار على جبين الدهر والبشرية؛ لما حمل معه من تجسيد واضح لإرهاب (الدولة)، بل (إرهاب دول مجتمعة؛ أمريكا، وبريطانية، وفرنسا، وألمانيا، ومن تبعهم بِشَرٍ دون ضمير حي، أو وجدان إنساني).
فما يحدث في (غزة هاشم) ليس حرباً عالمية بين دول تصارع على نفوذ ومصالح، بل هو حرب (العالم) كله ضد (غزة)، بل حرب العالم ضد الإسلام الأصيل والمسلمين المؤمنين من خلال (غزة).
ما يجري في غزة هو حرب الشر المطلق ضد الإنسانية، وحرب الفساد والفاسدين والمفسدين في الأرض ضد الفطرة والنقاء والصفاء.
ولقد رأى العالم أن عاصمة الصهاينة ليست على أرض فلسطين المحتلة فحسب؛ بل إن عاصمتهم هي في واشنطن ولندن وباريس وبرلين وبروكسل، وغيرها من العواصم البعيدة في الجغرافية والقريبة السائرة في فلك المشروع الصهيوني ، وهي تقف مع الظلم والطغيان والبغي والعدوان والبطش والاستكبار؛ داعمة له ومؤيدة؛ دون طرفة عين من إنسانية، ودونما سؤال أو جواب.
حرب عالمية على شعب أعزل، يفشل الاحتلال في مقاتلة المجاهدين، و مقارعة الأبطال؛ فيتجه إلى المدنيين لينتقم منهم، ويفش غله على المستشفيات، وينفث حقده في حرق خيام الأطفال والنساء؛ وبحجج واهية، ما لبث أن ثبت افتراؤه فيها وكذبه على جمهوره والعالم بشأنها؛ بأن رجال المقاومة يتخفون بزي النساء، ويختبؤون بين المدنيين؛ لينفذوا عملياتهم البطولية من صفر مسافة، في التحام الأجساد مع الحديد والنار، ويتحقق الانتصار تلو الانتصار للمجاهدين، ويظهر الفشل تلو الفشل لآلة الحرب والتدمير.
إنها حرب القوة الغاشمة؛ بكل وسائلها المتطورة؛ عسكرياً وأمنياً واستخباراتياً وسياسياً، أمام شعب يريد الحق والحقيقة، شعب حر يعشق الحرية، متخذاً النضال والكفاح والمقاومة سلاحه.
لقد تجاوزت فظائعُ الصهاينة في فلسطين فظائعَ الحروب العالمية الأولى والثانية، بل حروب البشرية جميعها.
فالصهاينة لم يكونوا بحاجة إلى (غرف الغاز النازية) لإحراق الفلسطينيين؛ فقد أحرقوهم تحت أنقاض منازلهم.
ولم يكونوا بحاجة إلى (معسكرات الموت)؛ فقد تحولت جغرافية (غزة) إلى معسكر للموت في عيون المجرمين.
ولا داعي لـ (قنابل نووية) فقد ألقى الصهاينة أضعاف أضعاف ما تم إلقاؤه على هيروشيما وناكازاكي.
وبعين الحقيقة:
أكدت أحداث السنة الماضية ما كانت تكشف العقود الماضية بأن العنصرية الصهيونية تلبس (مسوح) الدِّين؛ تستخدمه، وتُسرِّبه إلى الأديان المختلفة؛ لتظهر في (المسيحية المتصهينة)، ويراد لها أن تتسرب إلى إسلامنا الحنيف بدعوات مزيفة ومشاريع ما أنزل الله بها من سلطان (الدين الإبراهيمي).
ومن جهة أخرى:
فإن هذه الحرب (القاسية) كانت كاشفة لضعف الجيش الذي بنى صورته (الكرتونية) ويدعي بأنه الجيش الذي لا يُهزَم ولا يُقهَر؛ فقد بدا للعالم ضعيفاً متهالكاً أمام شجاعة المجاهدين وصمود الغزاويين ووحدة ساحات المقاومين.
ظهر:
(نمروداً) طاغية أمام (سيدنا إبراهيم عليه السلام).
و(جالوتاً) جباراً أمام (سيدنا داود عليه السلام).
و(فرعون) وجنوده غارقين في بحر الغواية أمام (سيدنا موسى عليه السلام).
وستبقى (عصا السنوار) ملهمة للأجيال؛ بطولات حتى تحقيق التحرير.