أمّة لا تستحق

الأمة التي تترك خيرة أبنائها في غزة يواجهون وحدهم أعتى آلات القتل والتدمير، بل تُعين عدوّهم عليهم بالمال والمواقف والتطبيع، وتحاصر مقاوميها في لبنان والعراق واليمن، هي أمة لا تستحق أن يكون فيها هؤلاء الشرفاء.
هم نعمة من الله، نعمة نادرة، وقد يسلبها الله من هذه الأمة، لا لأن المقاومين أخطأوا الطريق، بل لأن من حولهم لم يعرفوا قدرهم، ولم يستحقوهم.
لأشهر طويلة، وغزة تُقصف بلا هوادة، يُقتل أبناؤها، ويُجوَّع شعبها، وتُدمّر أحياؤها، فيما تنشغل أنظمة عربية وإسلامية بتجديد تحالفاتها مع القاتل، والترويج لما يُسمّى “مبادرة سلام”؛ ما هي في حقيقتها إلا مشروع استسلام مذلّ وتفريطٍ معلن.
وهْمُ النجاة بالتخلي:
والأخطر أن من يتبنّى هذه المبادرات يعلم تمامًا أن الكيان الصهيوني لا يُخفي نواياه التوسعية. فهو يُعلن، بلا مواربة، أن مشروعه لا يتوقف عند حدود فلسطين، بل يمتد من غزة إلى الضاحية، ومن دمشق إلى بغداد، ومن صنعاء إلى طهران، ومن مصر إلى الخليج.
إنه يمضي بخطى علنية متغطرسة نحو “إسرائيل الكبرى”، ومن يظن أنه بمنأى عن هذا الخطر بمجرد التخلي عن المقاومة، فقد ألقى بنفسه إلى التهلكة، كما قال الله تعالى في معرض الحديث عن الجهاد: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ﴾، وقد أوضح المفسرون أن التهلكة هنا هي بترك الجهاد، والتخلي عن واجب النصرة، فمن فعل ذلك، إنما يهلك نفسه وأمته.
الأندلس تعود مجددًا:
وليس هذا جديدًا على تاريخنا، فقد فعلها ملوك الطوائف في الأندلس، حين تحالفوا مع العدو، واستعانوا به على إخوانهم، طمعًا في السلامة وبقاء المُلك، فكانت النتيجة أن سقطوا واحدًا تلو الآخر، وضاعت الأندلس، وخرج المتخاذلون والعملاء منها أذلة، خاسرين للأرض والدين والمصير. وها نحن اليوم، أمام مشهد مشابه، يعيد فيه التاريخ نفسه، وستكون النتائج نفسها حتمًا، ما لم تكن المقاومة هي العاصم والسد الأخير.
المقاومة التي لم تتراجع، ولم تساوم، ولم تطلب النجاة لنفسها، رغم تحالف وحوش الأرض ضدها بل واصلت القتال، وهي تعلم أن العدو لا يرحم، وأن “الأشقاء” قد خذلوها.
معركة وجود:
لم تعد المسألة مجرد تحرير فلسطين، بل معركة على وجود الأمة وهويتها، وفي هذا التمحيص، لا بد أن نتحرر من الطائفية والمصالح الضيقة والتبعيات العمياء، لنُميّز بوضوح بين العدو والصديق، ونتّحد حول المقاومة أينما وُجدت، فهي الحصن الأخير لهذه الأمَّة. وقد قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ﴾، وهي نارٌ في الدنيا قبل الآخرة… نار الذل والخسارة والندامة. أما نحن، فمطمئنون بوعد الله: ﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾.
المقاومة اليوم تقوم بواجبها نيابةً عن الأمة كلها، وتدفع الثمن عن الجميع، ومع ذلك، لاتطلب جزاءً ولا مكافأة سوى ألّا تُخذل.
فإما أن تنهض الأمة لحمايتها بكل ما تستطيع، وإما أن يُسجَّل في صفحات التاريخ أنها كانت أمةً عجزت عن الوفاء لأشرف من فيها، ولم تكن أهلًا لاحتضان أولئك المجاهدين الصادقين.
المنسق العام للحملة العالمية للعودة إلى فلسطين
الشيخ يوسف عباس