لكم خيانتكم، ولنا فلسطين
من المعاني التي نؤكدها دومًا، وقد ذُكر ذلك في مقدمة العدد الماضي من هذه النشرة، أنَّه “تبقى فلسطين معيارًا عالميًا واضحًا، يَميْز الصادق في تضامنه وتعاطفه ودعوته إلى العدل من الكاذب”.
ولاشكّ في أنَّ هذا المعيار ينطبق على من يدّعي الحرص على السَّلام والاستقرار أيضًا، لأنه لا سلامَ ولا أمنَ ولا طمأنينة للناس، في منطقتنا على الأقل، ما دامت حقوق الشعب الفلسطيني مهدورة، وأرضُه مغتَصَبة، واستقلاله ممنوع.
فما بالُ بعض الحكّام العرب والمسلمين يسطّرون اتفاقاتٍ تحت عنوان السَّلام، مع قاتل الفلسطينيين، والذي يحاصرهم ويمنع عنهم الغذاء والدواء والماء، ويلوّث عليهم التراب والهواء، ويصبّحهم ويمسّيهم بالاعتقال، ولم يترك شابًّا منهم ولا طفلًا ولا امرأة ولا شيخًا، إلا وتعرّض له بالسجن أو الأسر أو القتل على بوابات المعابر التي تمزّق أرض فلسطين إلى أشلاء.
لهؤلاء المطبّعين والمستسلمين نقول: افعلوا ما شئتم، واختاروا لأنفسكم ما تريدون؛ ولكن لا تفعلوا ذلك باسم الفلسطينيين، ولا تبيعونا الأوهام والأكاذيب، ولا تدّعوا الحرص علينا، ولا تطلبوا منّا التهليل والترحيب.
قولوا كما يكتب ذبابكم الإلكتروني، وكما تقول صفحات التواصل الدائرة في فلككم، وعبّروا عن كرهكم لنا، وعن محبّتكم للصهيوني الذي يقتلنا.
خذوا حرّيتكم في سبّنا وشتمنا، والتبرؤ من تاريخنا وديننا ومقدساتنا وشهدائنا والثكالى من أمهاتنا والمعذّبين من أسرانا.
افعلوا ذلك بوضوح، لأنكم بذلك تحققون الانسجام بين أقوالكم وأعمالكم، واتركوا كلمات الشفقة فنحن نعلم أنها خدعة، ولا تتصدقوا علينا بوعود الازهار لأننا نعرف أنها كذبة، وصافحوا عدونا بمِلء أكُفّكم، لأننا لن نضع يدنا في اليد التي تعانق قاتلنا.
لقد اخترنا ولكم أن تختاروا.
اخترنا فلسطين، ولن نترك فلسطين لتُذبح كالحَمَل الوديع الذي يجري وراء جُزازة العشب التي في يدّ القصَّاب؛ وأنتم اخترتم أن تسنُّوا له السكين.
اخترنا المقاومة، ونحن نعلم أنَّ وراء المقاومة صبرًا وأن ثمنها عظيم؛ وأنتم اخترتم السبيل الذي تظنون أنّه سيوصلكم إلى الرفاهية والازدهار؛ وسوف نرى من يفرح في النهاية.
اخترنا أن نكون مع المعذَّبين والمشتتين في الأرض، الذين ينامون على الحُلم، ويستيقظون على الرجاء، ويتصبّحون بالأمل، ويُمسون على التضحية، ويتجرّعون اللقمة المرّة، ولا يرون ذلك إلا قليلًا ما دامت القدس راضية.
وأنتم اخترتم كعكة صهيون، المسروقة من بيادرنا، والمخمّرة بدمنا، والمغلّفة بعذاباتنا، وتظنون أنكم آكلوها هنيئاً، فما أعجب شأنكم !
لقد جرَّبنا هؤلاء الصهاينة وعرفناهم أكثر مما عرَفتهم أمم الأرض كلها، ونحن نقول لكم والتاريخ يصدّقنا: لن تأكلوا من بين أيديهم إلا علقمًا وزقومًا، ولن يعطوكم إلا فتات ما يسرقونه منكم، ولن تخرجوا من العمل معهم إلا بالحسرة والندامة.
فلا تبيعوا أنفسكم بالرخيص، وعودوا إلى رشدكم، وعودوا إلى أمّتكم قبل ساعةِ الندم، وإلا فإنّه الفراق بينكم وبين الشرف والمروءة والكرامة والعروبة والدِّين، لأنَّ ذلك كلّه مع فلسطين.
وإذ ندخل اليوم عامًا هجريًا جديدًا نقول: تعالوا لنهجر التطبيع لأنّ التطبيع خيانة، ونتخلّى عن مداهنة المحتل الغاصب لأنَّ ذلك خيانة، ونعود إلى جانب فلسطين، فإن عُدتم فأنتم أهلنا، وإن أبيتم قلنا: لكم خيانتكم، ولنا فلسطين.
محمد أديب ياسرجي – أمين سر الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين