مقالات

القدس والأقصى محور الصراع

لا يكاد يخلو يوم من خبر جديد عن القدس والمسجد الأقصى، إمَّا عن اعتداء جديد من وحوش المستوطنين، وإمَّا عن محاولاتٍ من حكومة الاحتلال لتغيير الوضع القانوني للمدينة المقدَّسة والمسجد الأقصى، وإمَّا عبر القرارات المتوالية لمنع المقدسيين والقائمين على إدارة الحرم الشريف من الوصول إليه.

كلُّ ذلك يؤكّد ما نقوله دائمًا من أنَّ القدس والمسجد الأقصى بالذات هما محورُ الصراع القائم في أرض فلسطين، وذلك لأكثر من اعتبار.

إنَّ المشروع الصهيوني اليهودي لهدم المسجد الأقصى وإقامة ما يسمَّى “الهيكل الثاني” مكانه هو واحد فقط من تلك الاعتبارات، ولكنه يشير إلى عدة معانٍ مختلفة، منها إعلان الانتصار اليهودي على المسيحية التي تعتبرها اليهودية التلمودية خصمًا أبديًا لها، كما ترى في شخص السيد المسيح عليه السَّلام عدوًا أساسيًا، لأنّه يفضح كذب دعوى المسيح اليهودي المزعوم، الذي ينتظره اليهود حتى اليوم؛ وإذا انتصرت اليهودية التلمودية على المسيحية فهذا يعني حكماً انتصارها على الإسلام.

وفي اعتبار آخر، يطمح الصهاينة من خلال استيلائهم على القدس والأقصى، وإعلانها عاصمة لهم باعتراف العالم، إلى إعلان انتصار رؤيتهم التوراتية للتاريخ ولمسيرة البشرية منذ التكوين وحتى اليوم، وصولًا إلى التمهيد لمشروع “نهاية التاريخ” المرتبطة بمعاركهم المزعومة مع الأمم الأخرى، مثل “هرمجدون” وغيرها.

إنَّ من يفتح القدس يملك مفاتيح التاريخ، والصراع القائم اليوم على القدس ليس صراعًا على الجغرافية والموارد والسلطة فحسب، بل هو صراع بين الرؤية الصهيونية العنصرية التي تفسر حركة التاريخ وفق أساطير التوراة، وبين الرؤية العلمية المستندة إلى المعطيات الآثارية والحضارية؛ كما حصل على سبيل المثال منذ أيام مع البعثة الصهيونية التي كانت تنقّب أسفل ما يسمّى “الحيّ اليهودي” في القدس الشريف، بحثًا عن دلائل على الاستيطان اليهودي في المدينة القديمة، وإذ بالبعثة تكتشف آثارًا إسلامية في الطبقات التي كانت تستهدفها بالتنقيب.

ورغم قوة الحقائق العلمية، إلا أنَّ الصهيونية ترى أنّ سطوة القوى العسكرية والاقتصادية والإعلامية يمكن أن تغيّب الحقائق، وأن تفرض أمرًا واقعًا يسلّم به الناس خوفًا أو طمعاً، وهذا ما يفسّر متابعة الاحتلال – بالتعاون مع حليفه الأمريكي وشركائه الآخرين – تنفيذ مخططاته الرامية لتهويد المدينة المقدسة، وفرض بنود “صفقة القرن” بالقوة، وضمن هذه البنودِ القراراتُ الأمريكية المتعلقة بالمدينة المقدسة ومنها الاعتراف بها عاصمة للكيان الصهيوني؛ وضمن هذه المخططات تندرج الخطوات التطبيعية الفاحشة والخيانية التي أقدمت عليها بعض الدول العربية، ونحن نصفها بالفاحشة لأنها تجاوزت في وقاحتها الوقاحة الصهيونية، كما يظهر مثلًا في الإعلان الذي نشرته أخيرًا شركة طيران “الاتحاد” الإماراتية، والذي تروّج فيه لرحلاتها نحو فلسطين المحتلة، وقد ضمّ الإعلان عددًا من الأكاذيب، ومن أشدّها وقاحةً الدعوة إلى زيارة “الهيكل الثاني” !

ومثال آخر على وقاحة المطبّعين واندراجهم في خدمة المشروع الصهيوني، المقال البائس الذي نشرته صحيفة عكاظ السعودية، والذي تكرر فيه الصحيفة دعاوى الكاتب المصري يوسف زيدان أنّ المسجد الأقصى المذكور في القرآن الكريم ليس هو المسجد المعروف في القدس الشريف، كما سبق وادّعى الصهيوني مردخاي كيدار.

ما سبق يؤكد ما قلناه من أنَّ القدس والأقصى ترسم مستقبل الصراع، وهذا ما يدفع العدو إلى القتال عليها ولو كانت المعركة من أجل كلمة، كما حصل مع قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي تحدّثنا عنه العدد الماضي.

وهذا أيضًا ما يدفع الأمة وأحرار العالم إلى الوقوف مع الفلسطينيين في تضحياتهم العظيمة وصمودهم البطولي الذي هو العامل الأساسي والنهائي في تحديد مستقبل المدينة، التي لن تكون إلا لأهلها الشرفاء الأبطال.

محمد أديب ياسرجي
أمين سر الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى