خائنُ الأقصى خائنٌ للحرمين
في بداية العام 2020، قام وزير العدل السعودي السابق، وعضو هيئة كبار العلماء محمد العيسى، بزيارة معسكر أوشفيتز النازي في بولندا، وأدلى يومها بتصريحات صارخة عن الدروس التي ينبغي أن يتعلمها العالم الإسلامي من اليهود وممّا مروا به من تجارب، وقد كتبنا له يومها خطاباً قلنا في ختامه:
(يا “أمين عامّ رابطة العالم الإسلامي”: افعل ما تشاء، واسعَ لرضا مَن تحب، ولكن نرجوك ألا تفعل ذلك باسمنا، ولا باسم ديننا، ولا تحت لواء إسلامنا؛ ولا تقتل الإنسانية التي في روح أولادنا، ولا تستهن بأرواح شهدائنا، ولا تكن شريكاً لقاتلنا باسم قرآننا).
واليوم أستحضر هذه العبارة نفسها لمخاطبة خطيب الحرم المكيّ، الذي انقلب إلى داعية لحوار الحضارات، ولكن مع اليهود الذين لم تكن لهم حضارةٌ مستقلة في أي وقت وفي أي مكان، وصار ينادي من على أعظم منبر للمسلمين بالتسامح، ولكن ليس مع المسلمين الذين يخالفونه مخالفةً طبيعية في الفكر والرأي، وإنما مع الصهيونية التي تغتصب أرضنا وتقتل أبناءنا، وراح يذكّرنا بما يروى أن رسول الله “ص” توفي ودرعه مرهونة عند يهودي، وكأنَّ حقوقنا وأرضنا ومقدساتنا أصبحت مباحة لليهود الغاصبين، لقاء فكّ رهن هذه الدرع المزعومة !
يؤكد لنا موقف هذا الخطيب أنّ الدين والمفاهيم الحضارية ليست إلا أداة في يد هؤلاء “العلماء” يستخدمونها لتحقيق مآرب أولئك الحكّام الذين يسارعون في القتلة والمجرمين، تطبيعاً معهم واستسلاماً لهم وتذللاً إليهم.
ولاشكّ في أنَّ هؤلاء الحكام قد ظنوا أنَّ إطلاق هذه المواقف من على منبر الحرم المكي سوف يجعل لها مصداقية وتأثيراً لدى عموم المسلمين، إلا أنَّ ردود الأفعال الشعبية قد أظهرت أنّ هؤلاء قد باؤوا بالخسران المبين، وأنَّ الناس لم ترَ فيهم إلا خونةً للحرم المكي وحرم رسول الله “ص” كما هم خونة للحرم القدسي الشريف.
ويحقّ لنا هنا أن نربط بين هذا الخطاب المشبوه، وبين الإجراءات العملية التي يتخذها العدو لفرض سيطرته العملية على المسجد الأقصى، وهي الإجراءات التي نفرد لها في هذا العدد مساحة كبيرة لتوضيحها وبيان أخطارها.
وهنا تظهر لنا خريطة واضحة للمخطط الصهيوني، الذي يعتمد لفرض سيطرته على المقدسات على عدة إجراءات، من أهمها:
1- التضييق على الفلسطينيين ومنعهم من الصلاة في المسجد الأقصى.
2- تسهيل اقتحامات المستوطنين.
3- العمل على تغيير الوضعية القانونية للأماكن المقدسة.
4- إدراج رؤيته لوضع المقدسات ضمن اتفاقيات الاستسلام مع الأنظمة المطبعة، كما في اتفاقه الأخير مع الإمارات.
5- نشر رؤية دينية إسلامية تتماهى مع الصهيونية بذريعة التسامح والحوار.
وضمن هذا المحور تندرج خطبة إمام الحرم المكي، مهما حاولوا تبريرها بذرائع لا يخفى بطلانها على أحد، وإلى هؤلاء نهديهم قول الله تعالى:
(وَاتْلُ عليهمْ نَبَأ الذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيطانُ فكانَ منَ الغَاويْن * ولَو شِئنَا لرفَعْنَاهُ بها، ولكنَّهُ أخْلَدَ إلى الأرضِ واتَّبَعَ هَواه) الأعراف: 176
محمد أديب ياسرجي
أمين سر الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين