مخيم جنين… أرض الشهادة والإباء
يتعرض مخيم جنين بشكل متكرر ومتصاعد لمزيد من الهجمات العسكرية الصهيونية، التي اتخذت شباب المخيم هدفاً ثابتاً لها، حتى صارت أنباء ارتقاء الشهداء خبرَ الصباح الذي يستفيق عليه كل أبناء المخيم وعموم الشعب الفلسطيني، كما حصل صباح اليوم الخميس، الذي طالعتنا فيه الأخبار عن ارتقاء الشهداء الأبرار عطا شلبي وصدقي زكارنة وطارق الدمج، إضافة إلى خمسة جرحى في حالة الخطر، ليصل عدد شهداء المخيم منذ مطلع هذا العام وحتى اليوم إلى 78 شهيداً !
مخيم جنين الذي يبعد عن القدس شمالاً بحوالي 75 كم، تتسع المسافة ما بينه وبين المدينة الشريفة إلى حوالي 150 كم بسبب الطرق الالتفافية التي أقامها الاحتلال الصهيوني، والتي تساهم مع الجُدُر الاسمنتية الشاهقة بتمزيق أشلاء الوطن على أبنائه، والمباعدة بين أجزائه، وإضافة المزيد من المعاناة اليومية عليهم.
أنشئ هذا المخيم عام 1953 ليضمّ الآلاف من سكان قرى جبال الكرمل وحيفا الذي شرّدتهم العصابات الصهيونية، ومن الراجح أن عدد سكانه يتجاوز 30 ألفاً اليوم، وهم ينحصرون في مساحة ضيقة وتزداد ضيقاً عليهم في كل يوم، ليس بسبب زيادة السكان، ولكن بسبب الحصار والتضييق والتدمير الصهيوني الممنهج الذي يتعرض له المخيم الصامد.
إنّ ما يتعرّض له المخيم اليوم من هجمة صهيونية إجرامية يذكّر بما واجهه المخيم في نيسان عام 2002، عندما أسفرت الحرب الصهيونية على المخيم ولمدة عشرة أيام عن استشهاد أكثر من 500 مدني فلسطيني، قُتل العديد منهم في إعدامات ميدانية في الشوارع، وتمية تصفية عوائل فلسطينية بكاملها دون استثناء، وقام المعتدي الصهيوني بسرقة جثامين الكثير منهم لإخفائها.
في ذلك الوقت قامت مجموعة من كبار الكتاب من دول العالم بزيارة المخيم، وكتبوا عن مشاهداتهم المروّعة التي رأوها في المخيم، فعلّق الكاتب البرتغالي خوسيه ساراماغو، الحائز على جائزة نوبل للآداب بعد زيارته للمخيم إبّان المعركة قائلاً: (كل ما اعتقدت أنني أملكه من معلومات عن الأوضاع في فلسطين قد تحطم، فالمعلومات والصور شيء، والواقع شيء آخر، يجب أن تضع قدمك على الأرض لتعرف حقاً ما الذي جرى هنا… يجب قرع أجراس العالم بأسره لكي يعلم أن ما يحدث هنا جريمة يجب أن تتوقف. لا توجد أفران غاز هنا، ولكن القتل لا يتم فقط من خلال أفران الغاز. هناك أشياء تم فعلها من الجانب الإسرائيلي تحمل نفس أعمال النازي أوشفيتس. إنها أمور لا تغتفر يتعرض لها الشعب الفلسطيني).
ويقول الكاتب الأمريكي راسل بانكس رئيس البرلمان العالمي للكتاب: (إنَّ الساعات التي قضيتها في فلسطين حتى الآن حفرت في ذاكرتي مشاهد لن أنساها أبداً. عندما اجتزنا الحاجز أحسست بأن الباب أغلق خلفي وأني في سجن. إن جميع أعضاء الوفد متأكدون أنه سيتم اتهامهم بـ (اللاسامية) خصوصاً في الولايات المتحدة. لكن هذا لا يخيفنا. يجب أن نرفض هذا النوع من (الإرهاب الثقافي) الذي يدّعي أن توجيه الانتقادات للجرائم الإسرائيلية ضد الفلسطينيين هو نوع من معاداة السامية).
كتبت هذه الكلمات منذ عشرين عاماً، ولا تزال المحرقة مستمرة، بل تزداد أواراً وتضطرم نارها اشتعالاً؛ دون أن يستيقظ ضمير العالم أو يفكر المسؤولون في الدول الكبرى بمظلومية هذا الشعب الذي يواجه أعتى آلات الدمار، والمدعومة من كل القوى الكبرى، والمؤيدة بكل وسائل الإعلام، لدرجة أن نشر صور وأسماء الشهداء المظلومين على أي صفحة من صفحات وسائل التواصل يعرّض هذه الصفحة لخطر الحظر والإغلاق.
أي درك أسفل وصل إليه مسؤولو هذا العالم ؟!
وأي جريمة كبرى يرتكبون ؟!
ورغم ذلك يتابع الشعب الفلسطيني طريقه نحو الحرية، متمسكاً بحقوقه، رافعاً راية المقاومة الشريفة، باذلاً أغلى الأرواح في سبيل العدالة والسلام.
مخيم جنين، ساحة من ساحات الشرف الكثيرة، التي تحفل بها أرض الأقصى، وابطالها هم شباب وأطفال ونساء ورجال فلسطين، ولا شك في أنهم سيحققون أمل العودة بإذن الله.
محمد أديب ياسرجي
أمين سر الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين