الميلاد الحقيقي
كلّما جاء شهر ربيع الأنور، ورصدنا التحضيرات له، وجدنا أمرًا عجيبًا، بل مفارقة متضاربة مع الذكرى وصاحبها، فمن جانب نرى أن هناك صورة الكل مجمع عليها، وهي تلك المتمثلة بالمظهر العام من خلال إضاءة الطرقات وتحضير الأطعمة الخاصة بهذه الذكرى الغالية على قلوبنا وأرواحنا، والبعض يتصدق، والآخر يجلب أفضل أنواع السكاكر والحلويات، والبعض يسعى ليكون مصدر سعادة للأهل والجيران، وكل ذلك جميل ومطلوب أن يكون حاضرًا في الوعي الاجتماعي العام ، فديننا قد حث على هذه الروحية الرفيعة .
ولكن هل هذا هو المطلوب الوحيد في هذه الذكرى وينتهي الأمر ؟ أم سوف نكتفي أيضًا بزيادة أخرى تتمثل بالخطب البليغة والقصائد العصماء والفرق ذات الأصوات الرخيمة التي تأخذ بلب السامعين، وتأخذهم بنشوة الحب والشوق ؟ أم سنصلت الضوء على مكارم أخلاق الرسول صلوات ربي عليه وسلامه ونقف عند هذا الحد وتنتهي تفاصيل هذه الذكرى ويٌسدل الستار حتى العام الثاني ؟
إنّ أعظم ما يجب تسليط الضوء عليه في هذه الذكرى هي تلك الوصايا التي سلط الضوء عليها صاحب الذكرى طيلة حياته، ونبّه إلى خطورة غيابها عن المجتمع المسلم، وجعلها من أهم الأعمدة التي يقوم المجتمع الإسلامي عليها، وغيابها هو المقدمة لغياب دور الإسلام عن المجتمع والكون والحياة .
وفي كل زمن تكون هناك وصية تتصدر المشهد الإسلامي متقدمة على غيرها، ليس من قبيل تدوير الصدارة ولكن بسبب الوضع العام الذي تفرضه الضرورة والحاجة زمانًا ومكانًا.
ولعلّ الوصية الأعظم اليوم في حياتنا هي تلك التي أشار إليها البيان الإلهي، وعمل على إرساء معالمها سيد الخلق محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وصية وحدة الأمة {إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء 92)، وقال {وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُواْ.. } (آل عمران 103).
وجاء عمل رسول الله الأول عند قدومه إلى المدينة المنورة مُتمثلًا بأن آخى بين الصحابة رضوان الله عليهم، كم نحن اليوم بحاجة إلى هذه الوصية حيث نرى أعداء ديننا وكل من يُساندهم قد جعلوا أعظم مهمة على جدول أعمالهم تمزيق هذه الأمة طائفيًا تارة، وإثنيًا تارةً أخرى.. أليس العنوان الاحتفالي الأكبر اليوم هو “كيف نوحد جُهودنا لوحدة صفنا الإسلامي لمواجهة محور شرهم ؟”.
من هذا الموقع يمكننا أن نقف لنسأل هل رسول الله راض عنا ؟ ومسرور لحالنا ؟ لست مبالغًا عندما أقول إننا نملك الإجابة الدقيقة والواضحة والصريحة شريطة أن نكون صادقين في حبنا لصاحب الذكرى أولًا ونملك من الجرأة ما نصوب به بوصلة الانتماء لهذا الدين والرسالة والرسول، يجب علينا أن نقول وبوضوح كما قالها يومًا صاحب الذكرى صلوات ربي وسلامة عليه “دعوها فإنها مُنتنة” يجب أن نؤكد اليوم في كل حراكنا بأننا لن نسقط في شبكة العرقية والطائفية والمذهبية، لأننا أدركنا بأنّها شبكة قد أعدّها لنا وجملها لنا عدونا، وهذا الموقف هو الدليل الأكبر على حبّنا لرسولنا وصدق اتباعنا له ومصداق احتفالنا بذكرى ميلاده، ميلاد الرحمة والإنسانية والحرية.
الشيخ الدكتور عبد الله كتمتو
منسق الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين