هم الأشقياء لا يُؤمَن جانبهم.. {يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ}
اللهُ يَا غَنِيُّ يَا حَمِيدُ…
اللهُ يَا مُغْنِي وَيَا رَشِيدُ
اللهُ يَا مُبْدِئُ يَا مُعِيدُ…
اللهُ يَا عَزِيزُ يَا مَجِيدُ
لِعِزَّكَ التَّوحِيدُ يَشْكُو الهُونَا
وبعد:
فإن الله قد وصف حال يهود في كل زمان ومكان؛ حيث عتوا عن أمر ربهم، وخرجوا عن جادة الحق، وأفسدوا في الأرض، قتلوا الأنبياء، ولم يرعوا حرمة لآدمي، وما زالوا مستمرين على ذلك، ولِمَ لا! وهم الذين لم يلتزموا ولا يلتزمون عهد الله القوي؛ الذي أنشأه فى نفوسهم بمقتضى الفطرة السلمية، موثقاً بالعقل المدرك، ومؤيداً بالرسالة السماوية.
والذي لا يلتزم عهد الله المتين، وميثاقه القويم× فهو من باب أولى لا يلتزم بالقوانين والعهود والمواثيق الدولية.
إن الاهتمام القرآني ببيان أحوال اليهود، وتكرار ذلك في نصوص القرآن يدلُّ فيما يدلُّ عليه أن الصراع بين اليهود والمسلمين سيبقى إلى يوم القيامة، وكلَّما خمدت جذوةُ الصراعِ في منطقةٍ أو عصرٍ من العصور، ستتجدَّدُ في مكانٍ آخر، وفي أزمنةٍ متلاحِقَةٍ، وفي صوَر شتَّى؛ فلا غرابةَ إذًا أن يَكثر الحديثُ عنهم، وأن يكشف القرآنُ أحوالهم.
ففي بيان حال اليهود والصهاينة عبر التاريخ البشري بخصوص نقض العهود ونبذ المواثيق نقرأ خمس آيات في كتاب الله:
يقول الله تعالى: {وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَاّ الْفاسِقِينَ * الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ} [البقرة: 28 – 29].
ويقول الله تعالى: {فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 155].
ويقول الله تعالى: { فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [المائدة: 13].
ويقول الله تعالى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ} [الأنفال: 55 – 56].
ويقول الله تعالى: {وَٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَٰقِهِۦ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِۦٓ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي ٱلْأَرْضِ أُوْلَٰئِكَ لَهُمُ ٱللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ ٱلدَّارِ} [الرعد: 25].
فصهاينة اليوم ـ كما أسلافهم من اليهود ـ ينقضون عهد الله، ويبطلون ـ بأعالمهم السيئة وسلوكهم المشين وإجرامهم البيِّن ـ كل الاتفاقات والعهود والمواثيق، ولا يوفون بها ولا يلتزمون.
ويتمثل نقضُ اليهود الصهاينة للعهود أنهم يقطعون ما أمر الله به أن يكون موصولاً؛ كالتوادّ والتعاون والتراحم بين بني الإنسان، وسائر ما فيه عمل خير.
وعلاوة على ذلك تجدُهم يفسدون في الأرض؛ بسوء المعاملة، وإثارة الفتن، وإيقاد الحروب، وإفساد العمران، وقتل الإنسان، وتدمير البنيان.
إنّهم ـ الصهاينة ـ لا عهدٌ لهم ولا ميثاق، يعيشون لأنفسِهم، ولا يعلمون أن الدنيا أخذٌ وعطاء، ولا يدركون أهمية التواصل وضرورة التكامل، ومع كلِ هذا فهم مفسدون في الأرض؛ فلهم اللعنةُ وسوءُ العاقبة في جهنم.
وفي الحديث عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: مَا خَطَبَنَا نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ إِلَّا قَالَ: “لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ”([1]).
وأنتم أيها المجاهدون الأبطال في رباط الإيمان؛ أبشروا بالنصر القريب؛ فإن من سنن الله في الكون أن عاقبة ناكث العهد تدور عليه، كما في قوله تعالى: {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ} [الفتح: 10]: فمن نقض العهد فإنما يجني على نفسه، وإياها يهلك، فهلاك الصهاينة قريب، ونصر المؤمنين أكيد.
الأستاذ الدكتور الشيخ علاء الدين زعتري
دمشق في 8/ ربيع الآخر 1445 هجري
الموافق 23/ 10/ 2023 ميلادي
([1]) مسند الإمام أحمد بن حنبل، المؤلف: الإمام أحمد بن حنبل (١٦٤ – ٢٤١ هـ)، المحقق: شعيب الأرنؤوط – عادل مرشد، وآخرون، إشراف: د عبد الله بن عبد المحسن التركي، الناشر: مؤسسة الرسالة، 12383، 19/ 376.