مقالات

على خطى (قابيل) مغبونون في صفقتهم.. أولئك هم الهالكون

الأستاذ الدكتور الشيخ علاء الدين زعتري

اللّهم لا تُشمِّت أعدائنا بِدائنا واجعل القرآنَ العظيمَ دوائنا وشِفائنا

اللهم أنت ثِقتنا ورَجاؤنا فاجعل حُسنَ ظنّنا بك نصراً، ولشهدائنا قبولاً، ولجرحانا شفاءً.

ليست معركة (طوفان الأقصى) هي المعركة الأولى، ولن تكون الأخيرة في فصول هذه الحياة الدنيا.

فلقد وطىء الأَرض أَقوام كَانَت لَهُم مُلُوك وَعزة وسلطان، من الرومان إلى التتار، ومن الصليبيين إلى بني صهيون، وحملوا النَّاس على عقائدهم بأنواع من المكاره؛ ومع ذَلِك لم يبلغ بهم السعي نجاحاً وَلَا أنالهم الْقَهْر فلاحاً، وبقي الإسلام ديناً قويماً، واستمر أتباعه على مر الزمان منصورين، واستمر أبناء الأرض، وإخوة التراب متجذرين كسنديان الأشجار.

وفي الصراع تتبين مواقف الناس، ومعادن أخلاقهم؛ بين المؤازرة والخذلان، وتعرف به وجوههم واتجاهاتهم، حيث يجتمع المؤمنون إلى المؤمنين، وينحاز المشركون إلى المشركين، ويقف الضالون مع الضالين، ويؤيد المجرمون المجرمين، ثم يُوَفَّى كلّ فريق حسابه، وينال جزاءه؛ عاجلاً أم آجلاً.

فالصهاينة حتماً هم الخاسرون.

والموافقون للصهاينة في تصرفاتهم وإجرامهم هم شركاؤهم في أفعالهم، وفي نتائج تصرفاتهم، وفي إثم العداون، ونكال الخسران.

{‌وَسَيَعْلَمُ ‌الَّذِينَ ‌ظَلَمُوا ‌أَيَّ ‌مُنْقَلَبٍ ‌يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 227] إنه تهديد رباني للذين يعتدون على الناس، ويمزّقون الحرمات، ويهتكون الأعراض.

فالحق تبارك وتعالى يتوعدهم بمثل ما يفعلون من الإيذاء والقتل، ويهددهم بما يسوؤهم؛ فلن تنتهي المسألة بانتصار أهل الإيمان عليهم، وإنما ينتظرهم جزاء آخر.

فمَن نقض عهد الله، وقطع ما أمر الله بوصله، وأفسد في الأرض، لا شك أنه قد أنقص نفسه حظها من الفلاح والفوز، وكانت عاقبتُه في الدنيا الخزيَ والعار، وكان مصيره في الآخرة ولعذابَ والشنار.

{‌أُولَئِكَ ‌هُمُ ‌الْخَاسِرُونَ} المضيِّعون حقَّ اللَّه تعالى، وحقَّ خلقه.

فتضييعُ حقِّ اللَّه بنقضِ عهده.

وتضييعُ حقِّ خَلْقه بقطيعة أرحامهم، وقتل ذريتهم، وتشريد من بقي منهم.

{وَسَيَعلَمُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ أَيَّ مُنقَلَب ‌يَنقَلِبُونَ} [الشعراء: 227]، وفي هذا تهديد لمن انتصر بظلم.

والوعد الإلهي حق ثابت، وسنة كونية أكيدة، قال الله تعال عن المنافقين: {مَّلعُونِينَ أَينَمَا ثُقِفُواْ أُخِذُواْ وَقُتِّلُواْ تَقتِيلا * سُنَّةَ ٱللَّهِ فِي ٱلَّذِينَ خَلَواْ مِن قَبلُ وَلَن تَجِدَ ‌لِسُنَّةِ ‌ٱللَّهِ تَبدِيلا} [الأحزاب: 61-62].

وقال جل جلاله عن الكافرين: {وَلَو قَٰتَلَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوَلَّوُاْ ٱلأَدبَٰرَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيّا وَلَا نَصِيرا * سُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَد خَلَت مِن قَبلُ وَلَن تَجِدَ ‌لِسُنَّةِ ‌ٱللَّهِ تَبدِيلا} [الفتح: 22-23].

ويؤسفنا القول بأنَّ الحاضر مؤلم، وربما يكون المستقبل أشد للنفس ألمًا في ظل الصمت الرسمي العربي والإسلامي والعالمي لجرائم الصهاينة المحتلين، مع تقديرنا للشعوب والأمم الت تناهض الظلمة والمعتدين.

فما يراد للشعب الفلسطيني:

هو أن يزداد شتاته، وإذا لم تَفِق وتستيقظ وتصحو القوى العربية والإسلامية من غفلة خلافاتها الصغيرة؛ فإن حق الشعب الفلسطيني إلى ضياع، وحينئذ ستجد مَن يبكي عليه، كما بكوا على الأندلس، ولكن ما نفع البكاء بعد الضياع!

ويومئذ لا ينفع الندم، فهل يدرك القادة والحكام أنَّ الحرب ما تزال محتدمة الأوار.

فهل هناك مَن يستمع إلى الحق، ويصغي إلى قول الله عز وجل: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 105].

إن النصر يكون لمن آمن واتقى، ونَصَرَ دينَ الله وشرعَه الحكيم.

إن النصر لمَن أعد العدة من التدريب الجاد، والتخطيط الصادق، والتسليح اللازم.

إن النصر لمعسكرٍ يتطهر قادته وجنوده من الذنوب والمعاصي، كما قال عمر بن الخطاب في وصيته إلى سعد بن أبي وقاص: (إنما تنصرون بذنوب أعدائكم).

‌{وسيعلم ‌الذين ‌ظلموا ‌أى ‌منقلب ‌ينقلبون}.

وعندئذ {يفرح المؤمنون بنصر الله}.

وإنا لهذا النصر لمرتقبون.

ويبقى الربح الأخير للإيمان وأهله؛ مهما طال الزمن، ومهما عظمت المصائب وتكالبت المحن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى