إنهم لا أَيمان لهم
يتحدث الإعلام عن هدنة يجري التحضير لها في غزة، وسوف يتمّ خلالها الإفراج عن بعض أسرى العدو، في مقابل تحرير مجموعة من أسرانا في سجون الاحتلال، وخاصة منهم النساء والأطفال.
هذه الهدنة لا تعني أنّ العدو قد ركن إلى السّلم، فسلام المعتدي لا يمكن أن يتحقق إلا بالكفّ عن عدوانه، وسلام المحتل لا معنى له ما دام محتلاً.
وإذا نظرنا إلى هذه الهدنة المرتقبة، وهي هدنة مؤقتة كما يقال، فإنّ للمقاومة حساباتها الخاصة ودوافعها التي عبّرت عنها وشرحتها في بياناتها، كما إنّ للعدو حساباته، التي لا تعني بأي حال من الأحوال تخلّيه عن نهج القتل والتدمير والعدوان.
لقد تعرّضت الدول الكبرى الداعمة للعدوان الصهيوني إعلامياً وسياسياً، والممولة له مالياً، والمزوّدة له بصنوف الأسلحة المتطورة… تعرّضت لإحراج كبير أمام شعوبها، التي راعها هذا القتل الوحشي غير المسبوق بالنسبة لهم، ومشاهد الشهداء من النساء والأطفال التي تواترت على شبكات التواصل الاجتماعي، فخرجت للتعبير عن إنسانيتها رافضةً للحرب الصهيونية على الأبرياء، في مظاهرات عمّت مدن العالم الكبرى، ومنها نيويورك، التي تمثل جوهرة المدن بالنسبة للكثيرين في النظام الإمبريالي العالمي.
هذا الإحراج دفع المسؤولين في العديد من الدول الغربية للتراجع عن قراراتهم المانعة للمظاهرات المؤيدة لفلسطين، كما حصل في فرنسا، أو إلى إقالة وزراء في الحكومة البريطانية نتيجة لتصريحاتهم العنصرية ضد المتظاهرين؛ وكل ذلك إجراءات شكلية لا تعني تراجعاً حقيقياً؛ وكان من جملة هذه الإجراءات “نصيحة” أسداها المسؤولون الغربيون إلى كبار مجرمي الكيان الغاصب، من أجل القبول بهدنة “إنسانية” على زعمهم، والسماح بتسريب شيء من المواد الإغاثية إلى غزة التي مضى عليها ما يقرب من سبعة أسابيع وهي تحت الموت والدمار، دون أن يرفّ لهؤلاء المسؤولين جفنٌ أو يؤنبهم ضمير.
وقبول العدو بهذه الهدنة اليوم، إن تمّت فعلاً، هو استجابة مدروسة لهذه النصائح، وهذا ما عبّر عنه عضو مجلس الحرب الصهيوني “بيني غانتس”: (السماح بدخول الوقود لغزة ليس تغييرًا في الاستراتيجية، وإنما استجابة محددة لضمان الدعم الدولي لمواصلة الحرب).
إذن؛ أعطوهم بعض الوقود وتابعوا إحراق كل مقومات الحياة!
كما يسعى قادة المجرمين الصهاينة إلى تخفيف الضغط الداخلي عليهم، من مئات العائلات التي تعتقد أن أبناءها أسرى لدى المقاومة، ويسعون للإفراج عنهم قبل أن تقوم الطائرات الصهيونية بقتلهم جميعاً، كما فعلت مع العديد منهم خلال الأسابيع الماضية.
إضافة لذلك يشكل استدعاء الاحتياط الصهيوني كل هذه المدة ضغطاً كبيراً على اقتصاد الكيان الغاصب، ويساهم في رفع تكاليف الحرب إلى درجة يعجز الكيان عن تحملها، وهذه الهدنة المرتقبة تؤدي إلى السماح بتسريح أعداد كبيرة من قوات الاحتياط، وعودتها إلى سوق العمل.
أمّا بالنسبة إلى الشعب الفلسطيني الصابر والمضحي والمقاوم، في الضفة والقدس وغزة والنقب والجليل وكل فلسطين؛ فإنّه تعلم من التجربة والخبرة، بعدما قرأ في القرآن الكريم، أنَّ هؤلاء قوم لا أيمان لهم، وأنّ قتلة الأنبياء لن يتورعوا عن نقض أي عهد، مهما أخذ الناس عليهم المواثيق.
وصدق الله العظيم: ﴿أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم. بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ البقرة:100.
﴿وَإِن نَّكَثُوا أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ * أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ، أَتَخْشَوْنَهُمْ؛ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ التوبة:12-13.
بقلم الشيخ محمد أديب ياسرجي
أمين سر الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين