مقالات

وجوب الإغاثة

الأستاذ الدكتور الشيخ علاء الدين زعتري

رغم الجراح والآلام، ومرور أشهر هي بعدد أشهر حمل الإنسان؛ إلا أننا ما زلنا نشك بقدرة الأشهر التسعة أن تلد إنسانية كاملة؛ بالمعنى الإيماني.

فصوت الإنسانية لم يطغَ بعدُ على صوت القذائف، وضوء الفجر يبرز على استحياء، وسنا الشمس لم يبدد بعدُ عتمة الليل البهيم، ونور الإيمان لم يطفئ بعدُ ظلام المحتلين؛ وذلك بسبب توغل الوحشية، واستفحال الاستكبار، وجبن أبناء الجلدة الواحدة، وانصداع الوحدة التي من المفترض أن تتكامل.

مَن منا لم يرَ ولم يسمع ولم يقرأ بعد عن المآسي التي حدثت في غزة وتحدث.

مَن في العالم اليوم لم يرَ صور الجرحى، والأشلاء الممزقة، والإعاقات المستديمة، ولم ير البيوت وقد سويت بالأرض على أصحابها.

مناظر يندى لها الجبين، وتتفطر منها القلوب، وتدمع لها العيون، مصائب عظيمة لو نزلت على الجبال لدكتها من هولها وعظمها.

رغم كل هذا وذاك ستظل غزة العزة منارة للأجيال الصادقة مع نفسها، وأمتها، والمخلصة لربها، وستبقى غزة البطولة نبراساً ملهماً حقيقياً للشعوب الحرة الشريفة.

إن قلوب أهل الإيمان تحترق، وأكباد المؤمنين تنفطر حزناً ووجعاً وألماً، على ما يجري لإخوة لهم داخل غزة؛ يكابدون الآلام، ويقاسون الأوجاع، ويعيشون المصائب، التي لا تتحملها الجبال الرواسي.

والواجب على المؤمنين في مشارق الأرض ومغاربها حكومات وشعوباً أن يناصروا إخوانهم في غزة؛ مادياً ومعنوياً، كُلٌّ بما يستطيع، وأن يقفوا معهم في محنتهم، قال تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ﴾ [التوبة: 71]. وقال تعالى: ﴿وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾[الأنفال: 72].

وقد جاء النص القرآني على وجوب الإغاثة، والتزام تقوية الروح المعنوية للمجاهدين الأبطال، ومسانديهم من المقاومين الشرفاء، وقد طلب القرآن من أهل الإيمان أن يجاهدوا في حياتهم الجهاد الحقيقي، ويقاتلوا المعتدين؛ نصرة للمستضعفين.

كما عمل الإسلام على تقوية معنويات المقاتلين في سبيل الله، فوعدهم بمضاعفة أجر العاملين منهم وثواب المجاهدين؛ لأنهم يقاتلون في سبيل إنقاذ الضعفاء، وفي سبيل البر بالإنسان، وفي مقارعة الجبروت والطغيان، ولدحض عوامل الشر والإفساد، قال الله تعالى: ﴿فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ، وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً * وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً * الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ‌وَالَّذِينَ ‌كَفَرُوا ‌يُقاتِلُونَ ‌فِي ‌سَبِيلِ ‌الطَّاغُوتِ، فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ، إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً﴾ [النساء: 74 – 76].

كما واستأصل القرآن جميع النواحي التي ينبعث من قِبَلها الجُبْن والخَوَر، وحثّ المؤمنين على الجهاد في سبيل الله وطريق الحق.

لقد حارب الإسلام عوامل الضعف ونزعات الخوف، وغرس في نفوس الأمة خُلُق الشجاعة والتضحية، وتوخّى تقوية الروح المعنوية.

فعلى الأمة أن تختار خط المقاومة والجهاد، وأن تقاتل من أجل حماية الأطفال والنساء؛ فالقتال ما هو إلا دفاع عن النفس الشخصية، والنفس الأمة، ﴿عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [النساء: 84]، وأن تغيث المستضعفين، وتقف بجانب المقاومين، وتُنَاصِر المجاهدين.

وفي الرد على مَن آثر الدنيا، وتنكب طريق الخذلان: ﴿قُلْ مَتَاعُ الدنيا قَلِيلٌ والآخرة خَيْرٌ لِّمَنِ اتقى﴾ إِن نعيم الدنيا فانٍ، ونعيم الآخرة باقٍ؛ فهو خير من المتاع الفاني لمن اتقى الله وامتثل أمره.

اللهم قوِ إيماننا، وزد يقيننا، لنُحسن اتخاذ قرار حياتنا في الوقوف مع المظلومين المستضعفين، ودفع خطر المعتدين الآثمين، واستعملنا في إغاثة المظلومين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى