مقالات

من الذي يرتكب الإبادة في غزة ؟

مما لا شك فيه أنّ المجازر التي تمّ ارتكابها خلال ما سمّي “نكبة فلسطين” عام 1948،  تفوق كل ما قيل ويقال عنها إلى يومنا هذا، ولا زالت بعض فصولها تتكشف حتى اليوم، كما حصل عام 2013 عند اكتشاف 6 مقابر جماعية لشهداء فلسطينيين في يافا، ومقبرة قيسارية التي اكتشفت عام 2022، وكلها توثّق جرائم ومجازر من عام 1948 لم تكن معروفة من قبل.

ولكن ربما تكون هذه الحرب الجهنمية التي أشعلها الكيان الغاصب في غزة أولى الحروب في تاريخ البشرية التي يتمّ توثيقها رقمياً لحظة بلحظة، رغم غياب الكثير من التفاصيل عن عدسة المراقبين، لكن لا أحد يمكن أن يدّعي أنّ المستور لن يُكشَف لاحقاً، بل إنّ الراجح أن كثيراً من القضايا والأحداث قد تمّ توثيقها، وسوف تجد طريقها إلى العلن يوماً ما، بحيث يوفر ذلك كلّه وثائق وقرائن قانونية لتحديد أبعاد جريمة الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها الكيان في غزة، وبالتالي محاكمة المجرمين المسؤولين عنها بأي نوع من أنواع المسؤولية.

لو تخيّلنا هذه المحاكمة، التي نجزم بإذن الله أنّها آتية في مستقبل غير بعيد، وحاولنا أن نستشرف اللائحة التي سيقدمها الادّعاء، وأن نتعرف أسماء الدول والجهات والشخصيات التي سيتمّ الادعاء عليها بجريمة الإبادة الجماعية، لربَّما فوجئ بعض الناس بما تضمّه وبمئات طلبات الاستدعاء التي سيقدمها ممثّل الادّعاء إلى المحكمة !

من المؤكد أنّ الطبقة السياسية العسكرية الصهيونية سوف تكون على رأس هذه القائمة من المتّهمين، ولا غرابة في ذلك أبداً، لأنّ أصدقاء هذا الكيان الغاصب قبل غيرهم يقرّون بأنّ هؤلاء هم الذين يقودون الحرب في غزة… ولكن القائمة لن تقتصر على هؤلاء.

لا تستغربوا أن نجد أسماء قيادات دينية تلبس مُسوح التقوى والرحمة، ومن أديان متعددة لا من دين واحد، سوف يتمّ استدعاؤهم للسؤال عن سبب سكوتهم القُبوريّ عمّا جرى أمام ناظرهم وبعلمهم، وربما كانت لهم رسائل تبرير سرية إلى الكيان ليستمر في مسلسل القتل والدمار !

وأن يكون إلى جانب هؤلاء عدد كبير من الفلاسفة والمفكرين والأدباء والشعراء، الذين آثروا “الموضوعية” بزعمهم، فكانت عاقبتهم أن ساووا بين الضحية والمجرم، ولم ينصروا الحقّ ولا خذلوا الباطل.

ناهيك عن جيش عرمرم من الإعلاميين الذي سوقوا للأكاذيب، وبرروا الإجرام وحاولوا إخفاء كل ما يعكر صفو ضمائرهم المرهونة إلى الصهيونية.

ولسنا في حاجة إلى استعراض قائمة زعماء العالم الذين نعرفهم جميعاً، فهؤلاء لا يحاولون إخفاء مواقفهم ولا شراكتهم الكاملة للكيان الغاصب في كل ما فعل ويفعل، ولا دفاعهم المستميت عنه في المحافل الدولية، ولا سلاسل توريد السلاح غير المنقطعة إليه.

هل نضيف إلى هؤلاء طبقة كبار الرأسماليين ومن حولهم من السماسرة وتجار كل شيء من الماء إلى الدواء إلى السلاح، الذين أعماهم الجشع وحولهم إلى وحوش أشد فتكاً من القنابل النووية ؟!

لا شكّ في أنّهم شركاء في الجريمة النكراء، ومعهم كل تلك الشركات التي تدعم الكيان ولو بفلس واحد من عائداتها، والتي لا تزال حركات المقاطعة تكشف عن أسمائها وجرائمها.

تبقى هناك قائمة طويلة، لا يعرف مَن فيها إلا الله سبحانه وتعالى، وكلُّ واحد منّا مدعوٌّ لكي يحصّن نفسه من أن يكون أحد أفرادها، وهي فئة الساكتين أو اللامبالين أو المتساهلين وربما الراضين بما يجري، وهؤلاء قال عنهم رسول الله “ص”: (إذا عُمِلتِ الخطيئةُ في الأرضِ؛ كان مَن شهِدَها فكرِهَها كمَنْ غابَ عنهَا، ومَن غابَ عنها فَرِضيَها كان كمَن شهِدَها).

وأي خطيئة تُعمَل في الأرض اليوم أكبر من خطيئة الإبادة في غزة ! اللهمّ فلا تجعلنا للخائنين خصيماً.

بقلم الشيخ محمد أديب ياسرجي
أمين سر الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى