مقالات

أطفال غزة وذئاب العالم

بقلم الأب منويل مسلم

“يأتونكم بلباس الحملان وهم في الباطن ذئاب خاطفة” (إنجيل متى 7:15).

بعد أن شبع الذئاب الأمريكيون والصهاينة من لحم “أوزي” أطفال غزة، ولعقوا من دم آبائهم وأمهاتهم حتى ارتووا، عادوا اليوم إلى غابتهم في البيت الأبيض.

لبسوا جلود الخراف، وظهروا – لمن لا يعرفهم – حملانًا أبرياء، يتدفق الحنان والحب والرحمة والسلام والشفقة من قلوبهم وأفواههم. يثغون أمام العالم: “حرام ما جرى على أهل غزة. مساكين أهل غزة. لا، لا، لا يستطيعون العيش في القطاع المدمَّر. إنه غير صالح للحياة البشرية، كل البيوت مهدَّمة، فكيف تنامون في العراء! كل البنية التحتية مسحوقة، فلا ماء ولا دواء ولا مدارس ولا مستشفيات ولا طرق ولا غذاء ولا شجر، فكيف يحيون جياعًا عطاشًا عراة، وأكثرهم مرضى ومعاقون؟ يجب فورًا أن نحتضنهم ونوزعهم على بلاد الله الواسعة”. هذا ما يقولونه كذبًا وافتراءً.

يا سيد ترامب، أنت تعرف أننا “مْنَيْبِين” أكثر منك. قنابل أمريكا وجيش المرتزقة الصهاينة التابع لكم ارتكبت هذه الجريمة بحقنا. اتركوا محكمة الجنايات الدولية تقبض على نتنياهو وزمرته، واتركوا محكمة العدل الدولية تضع “إسرائيل” تحت القانون الدولي. بسبب موقفكم، ستقفون أنتم شخصيًا أيضًا أمام محكمة الجنايات، وستقف دولتكم أمام محكمة العدل الدولية. موقفكم هو خصمكم. لن نرحل نحن من غزة، بل سترحلون أنتم و”إسرائيل” من الشرق الأوسط كله. لكي تبقى أمريكا عظيمة، عليها أن تجعل قوتها عادلة، وتعطي كل ذي حق حقه، لا أن تنحاز للاستعمار بالقوة، بل لنفوذ العدالة بين الشعوب.

ما يخفيه “حنان” الذئاب على أهل غزة هو في الحقيقة اعتراف صريح بأنهم ارتكبوا إبادة بحق شعب غزة، والآن ينادون باقتراف جريمة حرب أخرى بتهجيرهم للمرة الثانية، على نمط عصابات شتيرن والهاجانا وإرجون وبيتار وبلماخ عام 1947/1948، وللمرة العاشرة على نمط حرب الذئاب في 2023/2024.

عقول قادة شعوب الأمم وأفواههم وسواعدهم لا تعرف كيف تتخذ قرارًا، بل تمنع شعوبهم حتى من اتخاذ قرار بمحاكمة الخارجين عن القانون الدولي، إن كانوا من الأقوياء أو الصهاينة. دول هيئة الأمم يظهرون كأنهم جنود “سنجة طق” أمام أمريكا و”إسرائيل”، كما يقول الأتراك، أي أنهم في حضرة الولايات المتحدة و”إسرائيل” جنود مراسم عسكرية ينفذون فقط إرادة ضباطهم.

مثلًا، اتخذت هيئة الأمم أكثر من 100 قرار في صالح القضية الفلسطينية، وأمريكا أفشلت كل قراراتها.

قررت هيئة الأمم تقسيم فلسطين بالقرار 181، لكن الرئيس ترامب يأمر بتهجير سكان فلسطين إلى الأردن ومصر، لضم كل فلسطين إلى “إسرائيل” لأنها صغيرة مثل قلم على طاولته. هذه أوامر بارتكاب جريمة حرب، فمن يحاسبه؟

قررت هيئة الأمم أن القدس الشرقية للفلسطينيين، لكن الرئيس ترامب يأمر بضم القدس لـ”إسرائيل”. هذا أمر بارتكاب سرقة أخلاقية، فمن يحاسبه؟

محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية تقرران جلب “إسرائيل” لمحاكمتها بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية، لكن الرئيس الأمريكي يقوم بتهديد ومعاقبة قضاة تلك المحاكم. هذه تصرفات توحش أخلاقي على القانون الدولي، فمن يحاسبه؟

هيئة الأمم تقول إن المستعمرات والاستيطان في الضفة الغربية والأراضي المحتلة غير شرعية، لكن أمريكا تبارك خطيئة “إسرائيل”، فمن يحاسبها؟

وغير ذلك كثير، لا مجال لحصره هنا.

مؤسسة هيئة الأمم مجرمة بخطيئة إهمال القضية الفلسطينية.

أما الحكم على موقف الدول العربية من الحرب على غزة، وكيف استكانوا فأجرموا بحقنا، وكيف يتصرفون الآن بوداعة الإخوة الأحباء، وكيف سيتصرفون وهم مبطوحون أو منبطحون تحت ترامب العملاق ونتنياهو الجبار، فليس من اختصاص جيلنا، بل من اختصاص جيل أطفال غزة، خاصة المعاقين والمشوّهين منهم.

الآن، نحن نلتزم الصمت، لكي نسمح لحمحمة الأطفال أن تبدأ بمحاكمة تلك الدول العربية. صحيح أن الأقوياء لا يُعاقَبون، وصحيح أن الأقوياء لا يعاقبون إلا الضعفاء، لكن الله والمقاومة وأحرار العرب، الذين هم ضعفاء اليوم، سيحاكمون أمريكا العاتية و”إسرائيل” الفاشية الفاسقة بهزيمتهم من الشرق الأوسط كله.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى