غزة… ألم وتوكل

بقلم الشيخ محمد الناوي
﴿وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا، ولنصبرن على ما آذيتمونا، وعلى الله فليتوكل المتوكلون﴾ (إبراهيم: 12).
في سير الصالحين والمصلحين نقرأ سرًّا كبيرًا من أسرار نجاح حركتهم في تعاملهم مع الواقع الذي عاشوا فيه تجارب الدعوة والصراع مع الآخر، وهذا السر اسمه التوكل على الله، ومايثمره في نفس المصلح من صبرٍ وتحملٍ عظيمين، ونجاحٍ أكبر رغم كل ما يحيط بهم من عوائق.
وفي فلسطين عمومًا، وغزة خصوصًا، تتجلّى ثمرات التوكل على الله في صبر أهلها، وعنفوان مقاوميها وقوتهم، رغم ما أصابهم من آلامٍ كبيرة تعجز البشرية مجتمعةً عن تحملها. فقلوبهم الموصولة بربها باتت لا تبالي بإرجاف المرجفين، ولا بتهويل المجرمين؛ إذ وطّنوا أنفسهم على الصبر الجميل، محتسبين إلى ربهم، واثقين بمدده، منتظرين وعده بنصرهم.
إن من يحمل إيمانًا ويقينًا راسخًا لن يُهزم، لأنه يمتلك إرادة صلبة تستمد قوتها من ربها. فلامعنى للخير عند هؤلاء دون شرٍّ يُجتنب، ولا وجود للعدل بلا ظلمٍ يُرفض. إنهم يملكون مرونة التكيّف مع جميع التقلبات، ووضوح الرؤية تجاه التحديات، ماضون في مسيرتهم، لايضرهم من خذلهم، ولا من هددهم أو قصفهم.
وسنن الله واضحة في قوله تعالى: ﴿إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون﴾ (النساء: 104). وهذه الخاتمة هي الفارق بين المؤمنين الصابرين الذين يرجون تأييد الله ونصره، وبين الظالمين الذين لا صلة لهم برب العالمين، ويبنون حساباتهم على أسسٍ ماديةٍ قد تصيب وقد تخيب.
ومن هنا، نراهم ينطلقون بكل قوتهم إلى مطلع الآية: ﴿ولا تهنوا في ابتغاء القوم﴾(النساء: 104). فالتعلق بالله وبنصره قائم، وهو الوقود الذي لا ينضب. فما الذي يجعلهم يتركون الساحة للعدو؟!
ذلك هو سر صمود أهل غزة، وسر استمرار مقاومتها، وتلك هي حقيقة الإرادة التي يريدها الله لكل إنسان حرٍّ وشريف.
إن غزة اليوم تصنع تاريخًا جديدًا للبشرية جمعاء. بدماء أهلها ومقاومتها الباسلة، تُطوى صفحةٌ سوداء من الظلم، وتُفتح أخرى بيضاء للعدل. وغزة هي التي أيقظت شعوب العالم لتعود إلى فطرتها السليمة.
ها نحن نرى التظاهرات في ساحات الدول الغربية، ونرى السفن تنطلق من كل مكان لكسر الحصار، ونرى حفلاتٍ موسيقية تتحول إلى نداءاتٍ لدعم فلسطين. شعوب العالم الغربي باتت أكثر وعيًا بحقيقة الصراع على أرض فلسطين، وتنادي بوضوحٍ بحرية فلسطين من النهر إلى البحر.
أما في عالمنا العربي والإسلامي، فلا تزال شعوبنا في معظمها تعيش حالة انفصالٍ عن معاناة غزة، ناهيك عن القرار الرسمي الغائب والمتخاذل. ورغم كل ذلك، تبقى ثقة أهلنا في غزة وتوكلهم على ربهم أمرًا لا لبس فيه، وخاصةً حين نسمعهم يردون على دعوات التهجير بأن هجرتهم لا تكون إلا شهادةً ومعراجًا إلى رب العالمين.
﴿وما النصر إلا من عند الله﴾ (الأنفال: 10).