فرض عين
بسم الله، والصلاة والسلام على سيدي رسول الله، خيرِ خلق الله، وعلى كل من سار على دربه واتّبع هداه، إلى يوم نلقاه.
لا أظنّ أبدًا أن أحدًا لم يسمع أو يرَ ما يحدث لأهل غزة، من تجويعٍ وحصارٍ وقتلٍ على يد شذّاذ الآفاق، وأعوانهم من الغرب المستكبر، والقريب العميل والخائن والمتآمر. وقد صدق الشاعر عندما قال: “وظلمُ ذوي القُربى أشدُّ مرارة”.
وقد يُعذر البعض عن تقصيره في الجهاد بالنفس في سبيل نصرة أهل فلسطين عمومًا، وأهل غزة والقدس والضفة على وجه الخصوص، نظرًا لما يحدث يوميًا من تفنّن العدو في التنكيل بالمجاهدين، بأبشع الصور التي عرفها تاريخ الإنسانية قديمًا وحديثًا.
وعذرهم ربما يكون مقبولًا لما عليه الوضع الدولي والإقليمي من حصارٍ للمجاهدين والتضييق على حركتهم، بغضّ النظر عمّن يقوم بهذا الحصار الذي قطع علاقة المؤمنين بعضهم ببعض، وصارت الكثير من نصوص “حق المسلم على أخيه” معطّلة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ولكن من هو المعذور اليوم عن القيام بفرض العين الذي لا يسقط إلا عن الفقير والمسكين، وهو فرض الجهاد بالمال؟ ذلك الفرض الذي سطّره علماء الأمة قاطبة، ووضعوا له أبوابًا في الفقه، وصدرت فيه الفتاوى من كل المراجع الدينية المعتبرة، التي توجب نصرة المستضعفين في الأرض بالمال والسلاح وكل ما يحتاجه المجاهدون، للحفاظ على الإنسان والأوطان والدين، كي لا تصبح عرضة لاستيلاء الأعداء عليها، ويصبح المؤمن فيها عبدًا لا حرًّا.
ماذا سنقول لربّنا يوم نقف بين يديه حين يسألنا: ماذا عملتم عندما تلوتُم قولي:
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)؟
وما العذر الذي سنقدّمه بين يدي الله تعالى؟ وما العذر الذي سنقدّمه لرسولنا، صلوات الله عليه، عندما يسألنا عن قوله الذي وصل إلينا بصدقٍ وأمانة:
“من جهّز غازيًا فقد غزا، ومن خلَف غازيًا في أهله فقد غزا”،
وكذلك قوله:”جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم” أيّ جوابٍ نحمله لذلك الموقف كي يعفو الله عنّا يومها؟!
إن الجهاد بالمال، في هذا الموقف الشرعي الذي لا مرية فيه، فريضةٌ عينية لا تسقط إذا قام بها الآخر، لما لها من آثارٍ عظيمة في حفظ الدين، والعِرض، والأرض، والنفس، والمال؛ وهي ما أطلق عليه فقهاؤنا الضرورات الخمس. وكلها لا تُصان إلا ببذل المال: بالمال ندعم المجاهدين، وبالمال نطعمهم ونكسوهم، وبالمال نشتري لهم السلاح، وبالمال نحافظ على أسرهم، وبالمال ندعم إعلامهم وروايتهم، وبالمال نفنّد كذب رواية عدوهم، وغير ذلك الكثير.
إن من الواجب الشرعي اليوم تفعيل هذه الفريضة التي عمل العدو على دفنها أو التقليل من شأنها بكل ما يملك من دهاءٍ وخبث. فهل سيغلب وعينا وفقهنا مكرهم؟
الساحة هي من تجيب.
منسّق الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين
الشيخ الدكتور عبد الله كتمتو



